فائدة قال الله تعالى: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قال المفسرون: يحتمل أن يكون المراد أن لا تأخذكم رأفة بأن يعطل الحد أو ينقص منه، والمعنى لا تعطلوا حدود الله، ولا تتركوا إقامتها للشفقة والرحمة، وهذا قول مجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وقيل: يحتمل أن لا تأخذكم رأفة بأن يخفف الجلد، ويحتمل كلا الأمرين، والأول أولى لأن الذي تقدم ذكره في الآية الشريفة، الأمر بنفس الجلد، ولم يذكر صفته، فما يعقبه يجب أن يكون راجعاً إليه، وكفى برسول الله أسوة في ذلك حيث قال: (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها) . ونبه بقوله: (في دين الله) على أن الدين إذا أوجب أمراً لم يصح استعمال الرأفة في خلافه. وأما قوله تعالى: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} فهو من باب التهييج والتهاب الغضب لله تعالى ولدينه. قال الجبائي تقدير الآية: {إن كنتم مؤمنين فلا تتركوا إقامة الحدود} وهذا يدل على أن الاشتغال بأداء الوجبات من الإيمان بخلاف ما تقوله المرجئة. والجواب عليهم: أن الرأفة لا تحصل إلا إذا حكم الإنسان بطبعه أن الأولى أن لا تقام تلك الحدود - كما ظن بعض الجهلة - وحينئذ يكون منكراً للدين فيخرج عن الإيمان بهذا الفهم الخاطىء، ورد في الحديث (يؤتى بوال نقص من الحد سوطاً، فيقال له: لم فعلت ذاك؟ فيقول: رحمة لعبادك، فيقال له: أنت أرحم بهم مني، فيؤمر به إلى النار، ويؤتى بمن زاد سوطاً، فيقال له: لم فعلت ذلك؟ فيقول: لينتهوا عن معاصيك، فيقول أنت أحكم بهم مني، فيؤمر به إلى النار) . وجوب الستر على من وقع في هذه الجريمة اتفقت كلمة العلماء على أن الجريمة التي لم يصل خبرها إلى الحاكم، لا يقام من أجلها حد، وأن الجريمة التي علم بها الحاكم، ولم تثبت لديه بالإقرار، او بشهادة الشهود لا يقام الحد عليها، لما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت راجماً أحداً بغير بينة رجمت فلانة، فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها، ومن يدخل عليها) رواه أبن ماجة، ومعنى (ظهر منها الريبة) أي أنها كانت تعلن بالفاحشة، ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة أو إقرار. وفي قصة هلال بن أمية حين لاعن زوجته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن السحماء، وإن أتت به على الصفة الفلانية، فهو لزوجها هلال بن أمية) ولما أتت بالولد على الوجه المكروه قال صلى الله عليه وسلم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) .