للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


ومعى الآية الكريمة - أن كلاً من السارق السارقة يجب قطع أيديهمان فإذا سرق الذكر حراً، أو عبداً تقطع يده، وإذا سرقت الأنثى تقطع يدها، لأن كلاً من الذنبين يقع من كل منهما، فأراد الله زجر كل منهما (والله عزيز) لا يغالب ولا يقهر (حكيم) فيما يفعله ويشرعه، فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة، وتطهر المجتمع من المنكرات والمفاسد، وتجلب له السعادة والأمان.
وذكر الله تعالى حد السرقة في كتابه العزيز ونص عليه ووضحه، كما ذكر حد الزنا أيضاً لأهمية كل منهما للمجتمع، ونص على ذكر الذكر والأنثى فيهما، وإن كانت الأحكام الشرعية مشتركة بينهما عند الإطلاق، وتغليب وصف الذكورة، وضمائرها في الكلام، إلا ما خص الشرع به الرجال، كالإمامة، والقتال للتأكيد، وحتى لا يظن ظان أن السرقة، والزنا، كما كان في الرجال أظهر كان الحد على الرجال دون النساء وإنما بدأ الله سبحانه وتعالى بذكر السارق، في هذه الآية قبل ذكر السارقة، وفي آية الزنى بدأ بذكر الزانية قبل الزاني، لأن حب المال عند الرجال أقلب من النساء، والسرقة تقع من الرجال أكثر من النساء، لذلك بدأ بذكر الرجال في حد السرقة ولما كانت شهوة الاستمتاع على النساء أغلب، فصدرها تقليظاً لتردع شهوتها، وإن كانت قد ركب فيها الحياء لكنها إذا زنت ذهب الحياء كله، ولأن الزنى في النساء أعز، وهو لأجل الحبل أضرن ولأن العار في النساء ألحق اذ موضعهن الحجب في البيوت، والصيانة في المنازل. فقد ذكرهن في آية الزنى تغليظاً، واهتماماً. وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد وهو العضو الذي يتناول المال، وياخذه عقوبة له، ولم يجعل حد الزنى، قطع الذكر، مع أنه العضو الذي باشر الفاحشة به واتصل بالأنثى لآنه يوجد للسارق مثل اليد التي قطعت، فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، ووجد عوضاً عنها، ولكن لا يوجد للزاني مثل ذكره، فإذا قطع لا يعتاض بغيره، ولا يجد عضواً يسد مسده. وأيضاً، لأن قطع الذكر فيه إبطال النسل وليس في قطع اليد إبطاله. فضرره على المجتمع أخطر، وقوله تعلى {فاقطعوا} القطع معناه الإبانة والإزالة، ولا يجب القطع إلا بوجود أوصاف تعتبر في السارق، وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته. فأما ما يعتبر في السارق فخمسة أوصاف:
البلوغ - فلا يقطع الصبي إذا سرق لنه غير مكلف في نظر الشريعة.
العقل - فلا يقطع المجنون، لأن القلم مرفوع عنه حتى يفيق.
أن يكون غير مالك للمسروق منه، فلا يقطع الأب إذا سرق من مال ولده، ولا الولد إن سرق من مال أبيه.
وأن لا يكون له عليه ولاية، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، وكذلك السيد إن أخذ من مال عبده لا قطع بحال، لأن العبد وماله لسيده، ولم يقطع أحد بأخذ مال عبده، لأنه آخذ لماله.

<<  <  ج: ص:  >  >>