جاحد الوديعة. الحنفية، والشافعية، والمالكية قالوا: إن جاحد الوديعة لا يقطع، ولو ثبت ذلك عليه، وكان المال المودع نصاباً فأكثر، وذلك لأن المودع هو المفرط في إيداع ماله، لمن لا يحفظهن ويرده إليه سالماً، واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجباً القطع على السارق والجاحد للوديعة، ليس بسارق. الحنابلة، وإسحاق، وزفر، والخوارج قالوا: يجب أن يقام حد السرقة على جاحد العارية، ويعقطع، لأنهم لم يشترطوا في القطع، ان يكون من حرز، ولأن جاحد الوديعة داخل في اسم السرقة، لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما، بخلاف المختلس، والمنتهب، كما قال أبن القيم رحمه الله تعالى. واستدلوا على مذهبهم بما روي عن أبن عمر قال: (كانت مخزومية، تستعير المتعاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها) رواه أحمد، والنسائي، وأبو داود. وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأن الجحد للعارية وإن كان مروياً فيها عن طريق عائشة، وجابر، وأبن عمر، وغيرهم، لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة، وفي رواية من حديث أبن مسعود (أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبن ماجة، والحاكم، وصححه، (ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حلياً) قالوا: والجمع ممكن بأن يكون الحلي في القطيفة، فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرقة، فذكر الجحد للعارية لا يدل على أن القطع كان له فقط، ويمكن أن يكون ذكر الجحد لقصد التعريف بها، ويمكن أن يجاب بأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرقة، فيكون دليلاً لمن قال: أنه يصدق اسم السرقة على جحد الوديعة. قال الشوكاني: ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يعشر به قوله في حديث أبن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها، ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بأنها سرقت، فالحق: قطع جاحد الوديعة، ويكون ذلك مخصصاً للأدلة الدالة على اعتبار الحرز، ووجهه أن الحاجة ماسة بين الناس إلى العارية، فو علم المعير، أن المستعير إذا جحد العرية لا شيء عليه، لجر ذلك إلى سد باب العارية، وهو خلاف المشروع. اهـ.