فلو زنا في عنفوان شبابه مرة، ثم تاب، وحسن حاله، وشاخ في الصلاح لا يحد قاذفه، وكذلك لو زنا كافر، أو رقيق، ثم أسلم، وعتق، وصلح حاله فقذفه قاذف لاحد عليه، بخلاف ما لوزنا في حال صغره، أو جنونه، ثم بلغ، أو أفاق فقذفه يحد، لأن فعل الصبي والمجنون لا يكون زنا، ولو قذف عنيناً أو مجبوباً، أو رتقاء أو صغيرة لا تطيق فلا حد عليه، ولو قذف محصناً فقبل ان يحد القاذف زنا المقذوف، سقط الحد عن قاذفه، لأن صدور الزنا يورث ريبة في حاله فيما مضى، لأن الله تعالى كريم لا يهتك ستر عبده في أول ما يرتكب المعصية. فبظهوره يعلم أنه كان متصفاً به من قبل روي أن رجلاً زنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فقال الرجل: والله ما زنيت إلا هذه، فقال له عمر: كذبت إن الله لا يفضح عبده في أول مرة. واتفق الأئمة على أن القذف الذي يجب به الحد هو أن يرمي القاذف المقذوف بالزنا أو اللواط، أو ينفيه عن نسبه، إذا كانت أمه حرة مسلمة، بصريح القول دون سائر المعاصي. وذلك لأن القذف بالزنا فيه من العار بدناءة النفس، وهتك الستر، وافتضاح السوءات، وانتهاك الحرمات، والدلالة على عدم الغيرة، الذي هو من سمات أخس الحيوانات، ما قرف به كل الموبقات، فإن كان المرمي به امرأة كان فيه من جلب العار على قومها، ما يؤدي إلى سفك الدماء. وقلما يغسل ذلك العار إلا بسفك الدماء، وإن كان المرمي به رجلاً، كان فيه الدلالة على أنه ليس للعرض في نظره كرامة، ولا للغيرة على نفسه سلطان، وكان أمارة على أنه لو أصيب بما أصاب به الناس لاعتبره أمراً عادياً، لاتثور للغيرة له نفسه، ولا يغلي له دمه، ولذلك قيل: لا يزني الغيور وكفى بهذا عاراً، وعيباً يلحق الأبناء، والأحفاد، وتبقى سيرته طوال الحقاب. وقد أجمع الفقهاء على أن المراد بالرمي هنا في الآية الكريمة إنما هو الرمي بالزنا خاصة دون الرمي بالجرائم الأخرى. لعدة قرائن منها مجيء الآية بعد آية الزنا، ومنها التعبير بالمحصنات وهن العفائف، فدل ذلك على أن المراد بالرمي، ورميهن بضد الفقاف. ونها قوله: {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} يعني على صحة ما رموهن به، ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في