مبحث إذا قذف شخصاً مراراً اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أنه إن قذف شخصاً واحداً مراراً كثيرة، في ملجس واحد، أو في مجالس مختلفة، وسواء كان القذف بكلمة واحدة، أو بكلمات، لواحد أو لجماعة. فلا يتكرر الجلد بتكرر القذف، بل يجب عليه حد واحد، ولو قذف قذفين لواحد فحد واحد أيضاً إلا أن يكرر القذف بعد إقامة الحد فإنه يعاد عليه الحد، ولو لم يصرح باللفظ، بأن قال بعد الحد، والله ما كذبت، أو لقد صدقت فيما قلت أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على الاتهما بجريمة الزنا، لأنه تعتبر حداً جديداً بعد الحد الول. واتقوا على أنه إن - قذف واحداً، حد، ثم إن قذفه ثانية حد حداً ثانياً، وإن عاد وقذفه ثالثة حد أيضاً مرة ثالثة وهكذا. مبحث إذا قذف جماعة الحنفية، والمالكية قالوا: إن قذف جماعة في مجلس، أو مجالس مختلفة، بكلمة أو كلمات، مجتمعين أو متفرقين فعليه حد واحد، فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك، فإن الحد يجري في التداخل. واحتجوا على ذلك بالقرآن الكريم فإن الله تعالى قال: {والذين يرمون المحصنات} والمعنى أن كل واحد يرمي المحصنات وجب عليه الجلد، وذلك يقتضي أن قاذف الجماهة من المحصنات لا يجلد أكثر من ثمانين جلدة، فمن أوجب على قاذف جماعة المحصنات أكثر من حد واحد فقد خالف الآية الكريمة. وأما السنة، فما روى عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنهما: (أن هلال بن امية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إما البينة أو حد في ظهرك) لم يوجب النبي صلى الله عليه وسلم على هلال إلا حداً واحداً مع قذفه لامرأته وقذفه لشريك بن سحماء إلى أن نزلت آية اللعان، فأقيم اللعان على الزوجات مقام الحد في الأجنبيات، وأما القياس،، فهو أن سائر ما يوجب الحد إذا وجد فيه مراراً لم يجب إلا حد كحد واحد كمن زنى مراراً، أو شرب الخمر مراراً أو سرق مراراً قبل إقامة الحد عليه، فيكفي حد واحد، والمعنى الجامع من إقامة الحد هو دفع الضرر، وقد حصل فإن قام بأحدهم وضرب له كان ذلك بكل قذف كان عليه، ولا حد لمن قام منهم بعد ذلك. ولو قال كلكم زان إلا واحداً يجب عليه الحد لأن القذف فيه موجب للحد، فكان لكل واحد أن يدعي. الشافعية في أحد آرائهم قالوا: إنه يحد لكل واحد حداً على انفراد لاختلاف المقذوف. ولأن قوله تعالى في الآية الكريمة {والذين} صيغة جمع وقوله: {المحصنات} صيغة الجمع أيضاً،