الحنفية قالوا: ليس للمقذول أن يسقط حد القذف عن القاذف، ولا أن يعفو عنه، ولا يمكنه أن يبرىء القاذف منه، لأن الغالب فيه حق الله تعالى، ولا خلاف أن فيه حق للعبد، وحق الشرع، ولأنه شرع لدفع العار عن المقذوف، وهو الذي ينتفع به على الخصوص فمن هذا الوجه حق العبد، وفيه معنى الزجر، ولذلك يسمى حداً، والمراد بالزجر إخلاء المجامتع من الفساد وتطهيره من المنكر، وهذا علامة حق الشرع، إذا لم يختص به إنسان دون غيره، ولأن ما للعبد من الحق يتولاه مولاه فيصير حق العبد شرعياً له، ولا كذلك عكسه، لأنه لا ولاية للعبد في استيفاء حقوق الشرع إلا نيابة، وهذا هو الصل المشهور الذي يتخرج عليه الفروع المختلف فيها، كالإرث، لأنه يجري في حقوق العباد، لا في حقوق الشرع، فإن العبد يرث حق العبد بشرط كونه مالاً، والحد ليس شيئاً من أنواع الأموال، فيبل بالموت، إذا لم يثبت دليل سمعي على استخلاف الشرع وإرث جعل له حق المطالبة، أو وصية المطالبة التي جعلها شرطاً لظهور حقه، ومنها العفو، فإنه بعدما ثبت عند الحاكم القذف والاحصان، لو عفا المقذوف عن القاذف لا يصح منه، ويحد، فإن الحد لا يسقط بعد ثبوته عندهم إلا أن يقول المقذوف. لم يقذفني، أو كذب شهودي، وحينئذ يظهر أن القذف لم ينعقد موجباً للحد، بخلاف العفو عن القصاص فإنه يسقط بعد وجوبه، لأن القالب فيه حق العبد، ومنها أنه لا يجوز الاعتياض عنه،