للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وقد أردت التنبيه على ذلك حتى يكون المطلع على علم بسير المؤلف في كتابه، وحتى لا يكون هناك لبس في ذكر الأبواب، وإدخال بعضها في البعض الآخر، وإن كنت أنا أميل الى تنظيم المؤلفين في كتب الفقه، وإخراج القصاص من كتاب الحدود.
مبحث تعريف القصاص
القصاص مأخوذ من قص الأثر، وهو اتباعه، ومنه القاص لأنه يتبع الآثار، والأخبار، وقص الشعر أثره، فكأن القاتلس سلك طريقاً من القتل فقص أثره فيها، ومشى على سبيله في ذلك، ومنه قوله تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصاً} .
وقيل: القص القطع، يقال: قصصت ما بينهما، ومنه أخذ القصاص، لأنه يجرحه مثل جرحه، أو بقتله به، يقال: أقص الحاكم فلاناً من فلان، وأباده به فامتثل بهن أي اقتص منه.
حكم القصاص
والقصاص ثابت في الشرع بالكتاب، والسنة، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة. أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر، والعبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف، وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ركم ورحمة، فمن أعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم، ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} آيتي ١٧٨، ١٧٩ من سورة البقرة
وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس، والعين بالعينن والأنف بالأنف، والأذن، والسن بالسن، والجروح قصاص، فمن تصدق به فهو كفارة له، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} آية ٤٥ من سورة المائدة.
وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد فيه نسخ من الشارع الحكيم، ولم يرد نسخ ذلك وقوله تعالى: {ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلموماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل أنه كان منصوراً} آية ٣٣ من سورة الإسراء أي أتينا لوليه سلطنة القتل.
وقوله تعالى: {ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة، ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا} ووجه التمسك به أن الله تعالى ذكر في هذه الآية حكم القتل الخطأ، فتعين أن يكون القصاص واجباً وثابتاً فيما هو ضد الخطأ، وهو العمد، ولم تعين بالعمد لا يعدل عنه لئلا تلزم الزيادة على النص بالرأي، ولأن الله تعالى قال: {كتب عليكم القصاص في القتلى} ومعناه، فرض، وأثبت، كما قال تعالى: {كتب عليكم الصيام} وقال: {وكتب عليكم القتال} وقال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} ومعناه الفرض الثابت.
وقيل: إن ما (كتب) في الآيات هنا، إخبار عماكتب في اللوح المحفوظ، وسبق به القضاء

<<  <  ج: ص:  >  >>