وقال بعضهم: إن القصاص لا يكفر الذنب، ولا يرفع عنه الإصم في الآخرة، لأن المقتول ظلماً، لا منفعة له في القصاص البتة، وإنما القصاص منفعته للأحياء فقط، لينتهني الناس عن القتل. قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة} ولما روي عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء المقتول متعلقاً بقاتله يوم القيامة، آخذاً رأسه بيده الأخرى، فيقول: يارب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لكتون العزة لك، فيقول: فإنها لي، قال: ويجيء آخر متعلقاً بقاتله، يقول: رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول: قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له، بؤ بإثمه، فيهوي في النار سبعين خريفاً) وفي الباب أحاديث كثيرة، وأما الحديث الذي ورد في أن الحدود تكفر الذنوب، فإنه يختص بالحدود التي فيها حق الله تعالى. المالكية، والحنابلة، والشافعية - قالوا: العمد إما يوجب القصاص جزاماً مثل قتل المرتد مرتداً، فإن الواجب فيه القود جزماً. وإما أن يوجب الدية جزماً، كما أذا قتل الوالد ولده، أو إذا قتل المسلم الذمي فإن موجبه الدية قطعاً. أو التخيير بين القصاص والدية، فيجوز للولي العفو عن القود، على الدية بغير رضا الجاني، لما روى البيهقي عن مجاهد وغيره (كان في شرع موسى صلى الله عليه وسلم تحتم القصاص جزماً، وفي شرع عيسى صلى الله عليه وسلم الدية فقط، فخفف الله تعالى عن هذه الأمة، وخيرها بين الأمرين) لما في الإلزام بأحدهما من المشقة، ولأن الجاني محكوم عليه فلا يعتبر رضاه كالمحال عليه والمضمون عنه، ولو عفا عن عضو من أعضاء الجاني سقط كلهن كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها، ولو عفا بعض المتستحقين سقط أيضاً، وإن لم يرض البعض الآخر وانتقل الأمر إلى الدية، لأن القصاص لا يتجزأ، ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء، ولا يؤثر فيه الجهل، فلو قطع عضو رقيق فعفا عنه سيده قبل معرفته بالعضو المعفو عنه، صح العفو لأن العفو مستحب، فقد رغب الشارع فيه وجعا إليه، قال تعالى: {فمن عفا واصلح فأجره على الله أنه لا يحب الظالمين} آية ٤٠ من الشورى وقول الرسول: (من قتل له قتيل فأهله لين خيرتين: إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا اخذوا الدية) . وروى البيهقي وغيره عن أنس رضي الله تعالىعنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ما رفعاليه قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو) . وعن عدي بن ثابت قال: هشم رجل فم رجل على عهد معاوية، فأعطى دينه، فأبى أن يقبل حتى أعطى ثلاثاً) ، فقال رجل: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تصدق بدم أو دونه، كان كفارة له من يوم ولد إلى يوم تصدق) رواه أبو يعلى. وعن عبادة بن الصامت رضي الله تبارك وتعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من