ولا يقال: أن أثر القطع الثاني أزال أثر القطع الأول، لأن الموت حدث بهما معاً. قالوا: ولو قتل مريضاً وهو في حالة النزع الأخير، وعيشه عيش مذبوح، فإنه يجب عليه القصاص بقتله، لأنه يجوز أن يمد الله في أجله ويعيش، فإن موته غير محقق، لأن الآجال لا يعلمها إلا الله تعالى. قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: ولو انتهى المريض إلى سكرات الموت وبدت مخايله، فلا يحكم له بالموت. وإن كان يظن أنه في حالة المقدود. وقرقوا بأن انتهاء المريض إلى تلك الحالة غير مقطوع به، وقد يظن موته ثم يشفى، بخلاف المقدود ومن في معناه، ولأن المريض لم يسبق فيه فعل بحال القتلى وأحكامه عليه، حتى يهدر الفعل الثاني. ولو جرح واحد شخصاً جرحين عمداً وخطأ، ومات بهما لم يجب عليه القصاص، لاختلاف وصف الفعلين، حيث أن أحد الجرحين عمد، والآخر خطأ، فاختلفا، أو جرحه جرحين مضموناً، وغير مضمون. كمن جرح حربياً، أو مرتداً، أو عبد نفسه، أو صائلاً، ثم اسلم المرتد، أو أمن الحربي، أو عتق العبد المجروح، أو رجل الحيوان الصائل، وجرحه الجاني بعد ذلك ثانياً ومات بالجرحين، فلا يجب عليه القصاص، في هذه الصور، أو جرح شخصاً بحق كقصاص، وسرقة، ثم جرحه بعد ذلك مرة ثانية عدواناً، أو جرح حربياً ثم أسلم، ثم جرحه ثانياً فمات بالسراية، لا يجب قتله في مثل هذه الأحوال. أما في الحالة الأولى عمداً وخطأ فلأن الزهوق لم يحصل بالعمد المحض، فيجب عليه نصف الدية المغلظة في ماله خاصة، ويجب نصف الدية المخففة على عاقلته في الخطأ، وأما في باقي الصور، فلأن الموت حصل بمضمون وغير مضمون فغلب عليه مسقط القصاص، وثبت موجب الجرح الثاني من قصاص وغيره ولو وقعت إحدى الجراحتين بأمره للصبي غير المميز، أو المجنون الذي لا يفيق فلا يجب عليه القصاص، بل تجب نصف الدية على العاقلة، لأن عمد الصبي والمجنون خطأ، ولأن غير المميز يصبح كالآلة.