للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب: أن في هذا القصاص تقليلاً لأرباب العاهات - لا تكثيراً - بل في القصاص قضاء على الجريمة، من أصلها، كما قال تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} آية [١٧٩ من سورة البقرة] .

لأن الذي يوقن بالجزاء المماثل، ويعلم أنه إذا اعتدى على عضو من أعضاء بدن غيره قطع مثله منه، فإنه يحجم عن ارتكاب الجريمة بتاتاً، وبذلك يرتفع العدوان، فلا يوجد ذو عاهة أصلاً، لا معتد، ولا معتدى عليه.


لسان رجل في زمان الإمام على كرم الله وجهه فأمره أن يقرأ - ا، ب، ت، ث - فكلما قرأ حرفاً أسقط من الدية بقدر ذلك، ومالم يقرأ أوجب من الدية بحسبانه، وحروف اللسان ثمانية عشر حرفاً في لغة العرب، وحروف الحلق وهي ستة، وحروف الحلق وهي ستة، وحروف الشفة وهي أربعة.
وفي قطع الذكر تجب الدية كاملة، وكذلك الحشفة، وهي رأس الذكر إذا قطعها عليه دية كاملة ولو كان الذكر لصغير، وشيخ كبير، وخصي، وعنين، لإطلاق الحديث الوارد في ذلك.
وعند أكثر الفقهاء: أن في ذكر الخصي والعنين حكومة.
والأصل فيه ما روي عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال (في النفسن الدية، وفي اللسان الدية، وفي المارن الدية) وهكذا في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم رضي الله عنه (روى أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال: قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم، رواه النسائي) . ولأن ذكر الخصي سليم وهو قادر على الإيلاج، وإنما الفائت الإيلاد، والعنة عيب في غير الذكر، لأن الشهوة في القلب والمني في الصلب، وليس الذكر بمحل لواحد منهما: فكان سليماً من العيب، والحشفة كالذكر، لأن ما عداها من الذكر كالتابع لها، كالكف مع الأصابع، لأن معظم منافع الذكر وهو لذة المباشرة تتعلق بها، وأحكام الوطء تدور عليها، من قطع بعضها يجب بقسطه منها، لأن الدية تكمل بقطعها فقسطت على أبعاضها.
وقيل: يجب بقسطه مع كل الذكر، لأنه المقصود بكمال الدية، أما الذكر الأشل ففيه حكومة عدل، وذكر الخنصى ففيه نصف دية، ونصف حكومة.
والأصل في الأطراف أنه إذا فوت جنس منفعة على الكمال، أو أزال جمالاً مقصوداً في الآدمي على الكمال، يجب كل الدية، لإتلافهكل النفس من وجه، وهو ملحق بالإتلاف من كل وجه تعظيماً للآدمي، فإن كان جنس المنعفة، أو الكمال قائماً بعضو واحد فعند إتلافه يجب كمال الدية، وإن كان قائماً بعضوين، ففي كل واحد منهما نصف الدية، وإن كان قائماً بأربعة أعضاء ففي كل واحد منها ربع الدية، وإن كان قائماً بعشرة أعضاء، ففي كل واحد منها عشر الدية، وإن كان قائماً بأكثر ففي كل واحد منها نصف عشر الدية، كقطع أنملة إبهام الأصبع مثلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>