للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الظن، ولهذا قال المنكرون للسحر: إن مثل هذا الحديث الصحيح يصح الاحتجاج به في الأحكام الفقهية الفرعية، أما في إثبات عقيدة فلا. لأن اعتقاد أن السحر له تأثير حقيقي لا يمكن إثباته إلا بالدليل العقلي الذي يؤيده الواقع، ولم يوجد في الخارج إلا حوادث أحادية ينقلها أناس غير تقاة، ولو كان له حقيقة لقصها علينا كتاب الله تعالى في مسألة سحر فرعون


ومع ثبوت هذه الأحاديث التي ذكرناها، الواردة في الكتب الصحاح في وقوع السحر للرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أنكر بعض المبتدعة هذه الحاديث، وقال بعضهم إنها أخبار آحاد فلا يعمل بها، وزعموا أن السحر يحط من منصب النبوة، ويشكك فيها، قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل.
وقالوا: إن جواز السحر على الأنبياء يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع للعباد، إذ يحتمل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم يحيل إليه أن يرى جبريل، وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه بشيء، وكلامهم هذا مردود من عدة وجوه.
- ١ - لقد قامت البراهين من المعجزات، والنصوص الصريحة من القرآن والسنة النبوية على صدقه صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ قال تعالى: {ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى} وقال تعالى: {والله يعصمك من الناس} وقال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فاتنهوا} وقال تعالى: {ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم، وما يضرونك من شيء} فتلك الآيات وغيرها أدلة قاطعة على أنه صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق فيما قال، وبلغ، وإن الله عصمه من الضلال، وحفظ عقله من الزلل.
- ٢ - وقد أجمع الرواة على أن هذا السحر لم يكن له أي أثر في عقله صلى الله عليه وسلم، بل كان تأثيره في جسمه وبصره كغيره من الأمراض الجسمية، وقد وقع السحر لسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام فكان يخيل غليه في رأي العين كما قال تعالى: {فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى} فكان هذا السحر من باب المراض الجسيمة، وتلك جائزة على النبياء عليهم الصلاة والسلام، فإن المراض غير المنفرة جائزة في حقهم، فهي من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى نقص في مراتهم العلية، مع عصمتهم في أمور الدين، والتبليغ، وحفظ الوحي الشريف.
- ٣ - أجمع الرواة على أن الرسول اصلوات الله وسلامه عليه لم ينطق أثناء مرضه بهذا السحر بغير الصواب والصدق والحق، حتى في الأمور العادية، فكان يرى ويظن كالخاطر يعرض في النفس، ولا يتعداها حتى يرجع إلى الصواب والحق فينطق بهما، ولم ينطق بغيرهما قط، لا في مرضه هذا، ولا في غيره طوال حياته صلى الله عليه وسلم.
- ٤ - أجمعت الأحاديث الواردة في هذا الباب على أن السحر لم ينل إلا من جسمه الشريف صلى الله عليه وسلم،

<<  <  ج: ص:  >  >>