للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


الجمعة في كل بلاد القطر المصري التي بها مساجد تقام فيها الجمعة، إذ لا توجد قرية يسع أكبر مساجدها جميع أهلها المكلفين، فإذا فرض ووجدت قرية صغيرة، ويقال لها: نزلة، لا ينطبق عليها هذا الشرط، فإنه لا يصح من أهلها الجمعة إذا لم يكن بينها وبين بلدة أخرى أقل من مسافة فرسخ، وإلا فإنه يلزمهم الذهاب إلى هذه البلدة لأداء الجمعة؛ ولكن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن المصر هو كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة أكثر الحدود، وإن لم ينفذها بالفعل، فلا تصح الجمعة على هذا الرأي في مساجد البلدان التي لا ينطبق عليها هذا الشرط وحيث أن معظم علماء المذهب أفتوا بالرأي الأول فمن الحيطة العمل به خصوصاً أن جميع الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط، فالذين يتركون صلاة الجمعة بناء على ما اشتهر عند بعض الحنفية في تعريف المصر لم يأخذوا بالأحوط لديهم، خصوصاً إذا ترتب على ترك الجمعة تشكيك العامة واستهانتهم بأداء واجباتهم الدينية، على
أن عندهم الذي يعولون عليه في هذا هو ما رواه ابن أبي شيبة عن علي موقوفاً، وقد نقل الزيلعي في كتابه "نصب الراية" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في هذا الموضوع شيء، وعلى فرض أنه حديث صحيح فمن أين جاء تعريف المصر بأنه ما كان له أمير وقاض ينفذ الحدود؟، فالحق واضح، والارتكاز على هذا لا يفيد مطلقاً، ولهذا جرى جمهور محققي الحنفية على أن المصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة، وإن لم يحضروا فعلاً؛ أما الأئمة الآخرون فإنهم لم يعولوا على هذا الأثر الذي نقل عن علي كرم الله وجهه، وستعرف شرائطهم بعد هذا؛ ثانيها: إذن السطان أو نائبه الذي ولاه إمارة، فإذا ولى الإمام خطيباً فغن له أن يولي غيره، ولو لم يأذن بالإنابة على الظاهر، وبعضهم يقول: لا يجوز إلا إذنه بإنابة غيره: ثالثها: دخول الوقت، فلا تصح الجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر، وقد عرفت أن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة مطلقاً، ولو غير جمعة، كما هو شرط لوجوبها، ولكنهم ذكروه أيضاً في شرائط صحة الجمعة تساهلاً، وإذا خرج الوقت قبل تمام صلاتها فإن صلاتهم تبطل، ولو بعد القعود قدر التشهد؛ وقد عرفت أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، وهو من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء؛ رابعها: الخطبة، وسيأتي بيانها؛ خامسهاً: أن تكون الخطبة قبل الصلاة؛ سادسها: الجماعة، فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفرداً، ويشترط في الجماعة عند الحنفية أن يكونوا ثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، كما سيأتي في مبحث "الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها"؛ سابعها: الإذن العام من الإمام - الحاكم - فلا تصح الجمعة في مكان يمنع منه بعض المصلين، فلو أقام الإمام الجمعة في داره بحاشيته وخدمه، فإنها تصح مع الكراهة، ولكن بشرط أن يفتح أبوابها، ويأذن
للناس بالدخول فيها، ومثلها الحصن والقلعة، على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو، فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذوناً للناس بالدخول فيها، وتصح صلاة الجمعة في الفضاء، بشرطين: أحدهما إذن الإمام؛ ثانيهما: أن لا يبعد عن المصر أكثر من فرسخ، أو يكون له علاقة بالمصر، كالمحل الذي أعد لسباق الخيل، أو لدفن الموتى، وسيأتي في مبحثه.

<<  <  ج: ص:  >  >>