واليه يرجع كل شيء، ولا أبتغي إلا أن أكون مقبولاً لديه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، ومن استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته. وهونعم المولى ونعم النصير، فهووحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يقيني شر الافتنان بمظاهر الحياة الدنيا، وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة، وأن ينفع به المسلمين كما نفع بالجزء الأول منه.
هذا، وقد قسمت ما بقي من الأحكام إلى ثلاثة أجزاء منها: جزآن في المعاملات، وجزء في الأحوال الشخصية والفرائض، وستظهر كلها في زمن قريب إن شاء الله. وهذا هو الجزء الثاني نموذجاً للجزء الثالث والرابع في ترتيبه وعباراته، فإن كنت قد هديت إلى ما أردت، فإنني أكرر الثناء على ربي الذي هداني، وان كانت الأخرى فإنني إنسان ضعيف قد فعلت ما أقدرني عليه العليم القدير.
"وبعد": فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامهم، كما أذكر أدلة الأئمة، ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رأيت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما أردته من تسهيل للعبارات، ورأيت في ذكر حكم التشريع تطويلاً قد يعوق عن الحصول على الأحكام فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
أما الأدلة: فلقد أفردها كثير من علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفاراً مطولة، ولكن مما لاشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة، وترتيب يقرب إدراك معانيها، فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعيناً بالله وحده، وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها، ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية السمحة حق الفهم، ويدرك الباحثون في التشريع أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بما فيه مصلحة الناس جميعاً، وأنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان، لأنها من لدن حكيم عليم.