وهذا كله فيما إذا كان الماء الذي يتوضأ منه مملوكاً له. أما إذا كان موقوفاً. كما دورات مياه المساجد ونحوها؛ فإن الإسراف فيه حرام على كل حال: ومنها أن يتوضأ بموضع متنجس، خوفاً من أن يصيبه شيء من النجاسة بسبب سقوط الماء عليها، وتلوثه بها. المالكية قالوا: مكروهات الوضوء أولاً ترك سنة من السنن المتقدمة. وقد عرفت أن السنة عندهم ما لا يعاقب على تركها؛ ومع هذا فمنها ما هو مؤكد، ومنها ما هو غير مؤكد، ويقال له فضيلة، على أنهم أطلقوا في مكروهات الوضوء؛ فلم يقولوا: إنها كراهة تنزيه، أو غيره. والقاعدة في مذهبهم أنهم متى أطلقوا انصرفت الكراهة إلى التنزيهية؛ وهي خلاف الأولى: وقد عدوا من المكروهات الإسراف في صب الماء، بأن يزيد على الكفاية، كأن يزيد على ذلك إذا اعتقد أنها من الوضوء. أما إن كانت الزيادة للنظافة، أو التبرد، فلا كراهة ما لم يكن الماء موقوفاً على الوضوء، وإلا حرم الإسراف فيه، كما إذا كان مملوكاً للغير؛ ولم يأذن باستعماله كما تقدم في "مكروهات المياه": ومنها مسح الرقبة بالماء؛ لما في ذلك من الزيادة التي يأمر بها الدين، لا فرق في ذلك بين العنق وبين الرقبة من أمام؛ خلافاً للحنفية في ذلك. فإنهم يقولون: إن مسح العنق بعد مسح الأذنين بدون ماء جديد سنة، أما مسح الحلقوم عند الحنفية فإنه بدعة، ولم ينصوا على كراهتها، ومنها أن يتوضأ في موضع متنجس بالفعل، أو موضع أعد للنجاسة، وإن لم يستعمل، كالمرحاض الجديد قبل استعماله؛ ومنها الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى، وهذا متفق عليه في المذاهب، إلا أن الشافعية قالوا: إنه ليس بمكروه، ولكن عدم الكلام أولى. الشافعية قالوا: المكروه هو ما طلبه الشارع طلباً غير جازم، فإن تركه المكلف يثاب على تركه، وإن فعله لا يعاقب على فعله، ومكروهات الوضوء عندهم تنحصر في ترك السنة المختلف في وجوبها، بأن يقول بعضهم: إنها فرض، وبعضهم يقول: إنها سنة، ومثلها السنة المؤكدة، أما ترك غير ذلك فهو خلاف الأولى، فمن المكروه تنزيهاً الإسراف في الماء، إلا إذا كان موقوفاً، فإنه يحرم الإسراف منه، بشرط أن لا يكون في حوض أو ميضأة، فإنه لا يحرم، لعود الماء إليها، بل يكون مكرهاً فقط، ومن المكروه تنزيهاً - وهو خلاف الأولى - أن يتكلم وهو يتوضأ، ومن المكروه مبالغة الصائم في المضمضة، أو الاستنشاق، ومنه أن يتوضأ في موضع متنجس، أما مسح الرقبة والعنق، فليس بمكروه عندهم، بل قال بعضهم: إنه سنة، ومن المكروه مبالغة الصائم في المضمضة، أو الاستنشاق، ومنه أن يتوضأ في موضع متنجس، أما مسح الرقبة والعنق، فليس بمكروه عندهم، بل قال بعضهم: إنه سنة، ومن المكروه الزيادة على الثلاث، سواء كان العضو مغسولاً، أو ممسوحاً، فإن الشافعية يجعلون العضو الممسوح كالعضو المغسول في طلب التثليث، إلا إذا كان لابس خف، فإنه يكره أن يمسحه زيادة على مرة واحدة. الحنابلة قالوا: المكروه هو ترك سنة من السنن المؤكدة كالوتر وركعتي الفجر، والتراويح، أما غيرها، فتركه خلاف الأولى، وهو ترك سنة من السنن المتقدمة، إلا إذا ورد نص بنهي غير جازم، فإن