للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


الباعث له على اليمين سبباً آخر سوى الصغر فإن يمينه ينصر إليه. كما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي خوفاً على عرضه أو لكونه سفيهاً فكلمه وهو شيخ لزوال السبب فإنه لا يحنث، لأن الوصف كان موجوداً وقت الحلف وقد زال، والإشارة غير موجودة فلا يحنث؛ وهذا يشبه بساط اليمين عند المالكية.
الخامس: الحلف على ما يصح امتداده زمناً كالقيام والقعود واللبس والسكن والركوب: فهذه الأشياء ونحوها لا يصح امتدادها زمناً مخصوصاً فيقال: قام ساعة وقعد يوماً وسكن شهراً ولبسه يومين وهكذا. فإذا حلف على ما يمتد وهو متلبس بالفعل كأن قال: والله لا أقوم وهو قائم أو قال: والله لا أقعد وهو جالس أو قال: والله لا أسكن وهو ساكن ففيه خلاف؛ فبعضهم يقول: إنه لا يحنث في يمينه على أي حال، وبعضهم يقول: يجب عليه أن يفعل المحلوف عليه فوراً ولا يغفر له غلا الزمن الذي يتمكن فيه من الفعل، فإذا حلف وهو راكب وجب عليه أن ينزل فوراً وإلا حنث في يمينه، وكذا إذا حلف وهو قائم فإنه يلزمه القعود حالاً وإلا حنث وهكذا، وإذا حلف وهو غير متلبس بالفعل كما إذا حلف لا يركب وهو غير راكب ثم ركب فإنه يحنث بابتداء الركوب واستمراره؛ فيلزمه بكل لحظة يتمكن فيها من النزول حنث، وبعضهم يقول: لا يحنث إلا في الإبداء على أي حال ورجحه بعضهم. والتحقيق أن المعتبر في كل هذا هو العرف، فإذا كان استمرار الركوب والقيام والقعود ونحوها يسمى ركوباً وقياماً وقعوداً في العرف حنث بالاستمرار وإلا فلا يحنث. أما الأشياء التي لا تقبل الامتداد كالدخول والخروج والتطهر والتزوج فإنه لا يحنث إذا حلف وهو متلبس بها باتفاق، فإذا حلف لا يتزوج وهو متزوج أو لا يتطهر وهو متطهر، أو لا يدخل هذه الدار وهو فيها، أو لا يخرج منها وهو خارج، فإنه لا يحنث بالاستمرار. وهناك قواعد أخرى تذكر لمناسباتها فيما يأتي.
المالكية - قالوا: الأصول المعتبر في الأيمان خمسة: الأول النية وتقدم في الاعتبار على جميع الأصول، وهي تخصص لفظ العام وتقيد لفظ المطلق وتبين المجمل. فمثال العام "وهو اللفظ الذي يستغرق أفراده الصالحة له بدون حصر" أن يقول: والله لا آكل سمناً، فلفظ السمن عام يتناول جميع أفراده كسمن الضأن وسمن البقر والجاموس وسمن الجمال ونحو ذلك، فإن نوى بيمينه هذا تخصيص ذلك العام فلا يخلو: إما أن ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن فقط وإباحة أكل غيره من سمن البقر والجمال ونحوها، أو ينوي منع نفسه من أكل سمن الضأن ولم يلاحظ إباحة غيره، والنية تنفعه في الحالتين. فأما في الحالة الأولى فإن النية تنفع فيها بلا خلاف، لأنها قد خالفت ما يقتضيه لفظ العام حقيقة لأن لفظ العام يقتضي أنه حظر على نفسه أكل السمن بجميع أفراده، والنية تقتضي أنه أباح لنفسه أكل ما عدا سمن الضأن وبينهما منافاة حقيقية، وقد اشترط بعضهم وجود هذه المنافاة، وهذه الحالة تحقق فيها هذا الشرط فتنفع فيها النية بلا خلاف، وأما في الحالة الثانية فإن النية تنفع فيها على المعتمد، وذلك لأنها خصت لفظ العام بالمعنى الخاص، فعبر بالعام وهو لفظ السمن عن معنى الخاص وهو سمن الضأن، ولا منافاة بين العام وأفراده، لأن سمن الضأت وهو الخاص فرد من أفراد

<<  <  ج: ص:  >  >>