الثاني: وهو ما كان الخيار فيه للمشتري أو لأجنبي، وحكمه أن الثمن لا يخرج عن ملك المشتري باتفاق. والمبيع يخرج عن ملك البائع باتفاق ولكن هل يدخل المبيع في ملك المشتري بعد خروجه من ملك البائع أو لا؟ خلاف. فأبو حنيفة يقول: إنه لا يدخل في ملك المشتري، لأنه لو دخل في ملكه من كون الثمن مملوكاً له أيضاً للزم عليه اجتماع البدلين في ملك أحد المتعاقدين، وذلك لا أصل له في الشرع في المعاوضة، لأنها تقتضي المساواة بين المتعاقدين في تبادل ملك المبيع والثمن. والصاحبان يقولان: إنه يدخل في ملك المشتري، لأنه لو لم يدخل لكان سائبة غير مملوك لحد، وأجيب بأنها ليست سائبة لأنه ملك البائع لا يزال متعلقاً به. على أن عدم دخوله في ملك المشتري لا يمنع ترتب بعض آثار الملك عليه، فإن نفقته تجب على المشتري بالإجماع، وإذا تصرف المشتري فيه مدة الخيار جاز تصرفه ويكون ذلك إجازة منه. وسواء دخل في ملك المشتري أو لم يدخل، فإنه إذا قبضه وهلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزماً بثمنه لا بقيمته عكس ما لو كان الخيار للبائع، لأنه إذا هلك مع كون الخيار للبائع يكون المشتري ملزماً بالقيمة كما ذكر آنفاً، والفرق بين الحالتين: أنه هلك في يد المشتري فإنه لا بد أن يتقدم هلاكه عيب من مرض ونحوه، وهذا العيب يمنع رده في هذه الحالة فينفذ ويهلك بعد أن يتقرر الثمن فيذمة المشتري. بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع، فإن العيب الذي يتقدم هلاكه عادة لا يمنع البائع أن يسترده في زمن الخيار، فيبطل العقد بهلاكه فلم يتقرر الثمن فتثبت القيمة والفرق بين الثمن والقيمة: أن الثمن ما تراضى عليه المتعاقدان، سواء كان أكثر من قيمته أو أقل. أما القيمة فهي ما قوم به الشيء من غير زيادة ونقصان. وكذلك إذا طرأ عليه عيب، فإن كان مما يمكن زواله كالمرض ونحوه فإن زال في مدة الخيار فهو على خياره وإن لم يزل لزوم العقد، وإن كان مما لا يمكن زواله وكان في يد المشتري وكان له الخيار فإنه يلزم بثمنه لا بقيمته، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع فإنه يلزم بقيمته كما تقدم، ولا فرق بين أن يكون العيب حاصلاً بآفة سماوية، أو بفعل المشتري، أو بفعل أجنبي. واختلف فيما إذا كان بفعل البائع وكان الخيار للمشتري. فقال محمد: إن خيار المشتري يبقى على حاله، إن شاء أجاز البيع ويأخذ قيمة ما نقص وإن شاء رده. وقالا: إن البيع يلزم ويرجع المشتري على البائع بالقيمة إذا كان المبيع قيمياً كالحيوان والمتاع والأرض ونحو ذلك، فإن كان مثلياً كالفضة مثلاً وأحدث به البائع أو المشتري عيباً فإنه لا يحل له أخذ قيمة ما نقص منه لأنه يكون رباً، مثلاً إذا كان المبيع أسورة من فضة قبضها المشتري الذي له الخيار ثم كسرها البائع فإنه في هذه الحالة لا يحل للمشتري أن يأخذ قيمة ما نقص