للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد قال تعالى: {ما جعل عليكم في الدين من حرج} فكل شيء فيه حرج وعسر لا يجب على المكلف فعله، ومن ذلك المرضى بأمراض لا تقعدهم عن العمل، كضعف المثانة المترتب عليها تقاطر البول بلا انقطاع في معظم الأوقات، أو كلها ونحو ذلك من مذي وغيره، ويقال له: سلس، ومثل هؤلاء المصابون بإسهال مستديم، أو بمرض في الأمعاء - دوسنطاريا - يترتب عليه نزول دم أو قيح، فحكم هؤلاء وأمثالهم أن يعاملوا في الوضوء وغيره من أنواع الطهارة معاملة خاصة تناسب أمراضهم، كما هو مفصل في المذاهب (١)


(١) الحنفية قالوا: يتعلق بهذا أمور: أحدها: تعريف السلس؛ ثانيها: حكمه، ثالثها: ما يجب على المعذور فعله، فأما تعريفه فهو مرض خاص يترتب ليه نزول البول، أو انفلات الريح، أو الاستحاضة، أو الإسهال الدائم، أو نحو ذلك من الأمراض المعروفة، فمن أصيب بمرض من هذه الأمراض، فإنه يكون معذوراً، ولكن لا يثبت عذره في ابتداء المرض، إلا إذا استمر نزول حدثه متتابعاً وقت صلاة مفروضة، فإن لم يستمر كذلك لا يكون صاحبه معذوراً، وكذلك لا يثبت زوال العذر إلا إذا انقطع وقتاً كاملاً لصلاة مفروضة، أما بقاؤه بعد ثبوته فإنه يكفي في وجوده، ولو في بعض الوقت، فلو تقاطر بوله مثلاً من ابتداء وقت الظهر إلى خروجه، صار معذوراً، ويظل معذوراً حتى ينقطع تقاطر بوله وقتاً كاملاً، كأن ينقطع من دخول وقت العصر إلى خروجه. أما إذا استمر من ابتداء وقت الظهر إلى نهايته، وصار معذوراً، ثم انقطع فيبعض وقت العصر دون بعضه، ولو مرة فإنه يظل معذوراً؛ فهذا تعريف المعذور عند الحنفية، وأما حكمه، فهو أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ويصلي بذلك الوضوء ما شاء من الفرائض والنوافل، فلا يجب عليه الوضوء لكل فرض، ومتى خرج وقت المفروضة انتقض وضوءه بالحدث السابق على العذر عند خروج ذلك الوقت، بمعنى أنه لو كان متوضئاً قبل حصول عذره، لا ينتقض وضوءه بخروج الوقت. وإنما ينتقض بحصول حدث آخر غير العذر. كخروج ريح. أو سيلان دم من موضع آخر، وغير ذلك.
ويتضح من هذا أن شرط نقض الوضوء هو خروج وقت الصلاة المفروضة، فإن توضأ بعد طلوع الشمس لصلاة العيد، ودخل وقت الظهر فإن وضوءه لا ينتقض، لأن دخول وقت الظهر ليس ناقضاً، وكذا خروج وقت العيد ليس ناقضاً، لأنه ليس وقت صلاة مفروضة، بل هو وقت مهمل، فله أن يصلي بوضوء العيد ما شاء، إلى أن يخرج وقت الظهر، فإذا خرج وقت الظهر انتقض وضوءه، لخروج وقت المفروضة، أما إن توضأ قبل طلوع الشمس، فإن وضوءه ينتقض بطلوعها، لخروج وقت المفروضة، وإن توضأ بعد صلاة الظهر، ثم دخل وقت العصر انتقض لخروج وقت الظهر؛ أما ما يجب على المعذور أن يفعله، فهو أن يدفع عذره، أو يقلله بما يستطيع من غير ضرر، بل عليه أن يعالجه بما يستطيع، فإذا كان يمكنه أن يعالج نفسه من هذا المرض بمعرفة الأطباء، وقعد عن ذلك فإنه يأثم لأنهم صرحوا بأن المريض بهذا المرض يجب عليه أن يعالجه، ويدفعه عن نفسه بكل ما يستطيع.

<<  <  ج: ص:  >  >>