للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أموالهم، ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا، ومن كان غنياً فليستعفف، ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف} وفي الآية دلالة على أنه يصح للوصي الفقير أن يأخذ أجر عمله من مال القاصر بما هو معروف بين الناس، فانظر كيف حذر الله الأوصياء في الآية الأولى بما هو ممكن قريب الوقوع؟ وكيف رغبهم في حكم معاملة القاصر؟ فإن الوصي الذي له أولاد صغار ضعاف قد يموت ويتركهم، فلينظر على أي وجه يحب أن يعامل الناس أولاده فيعامل به من أقامه الله وصياً عليه، ليعلم أنه إذا اتقى الله تعالى في قوله وفعله كان قدوة حسنة لأبنائه فينقلون عنه الفضيلة، فضلاً عما في ذلك من ترك حسن الذكرى وطيب الأثر ولذلك في قلوب الناس منزلة رفيعة تحبب إليهم مودة ذريته الضعيفة، ويسهل عليهم خدمتهم.

ثم انظر إلى الوعيد الشديد للطامعين في أموال اليتامى الذي يقومون عليهم، وأي زجر أشد من أن شبه الله ما يأكلون من ذلك بالنار التي توقد في البطون، فهم وإن كانوا يجدون في أكله لذة مؤقتة في هذه الحياة الدنيا ولكنهم سيصلون سعيراً يوم القيامة تلتهب في أحشائهم، فيعلمون أنهم إنما كانوا يأكلون ناراً وجحيماً. وفي ذلك منتهى التحذير والتخويف من قربان أموال اليتامى. ولهذا الكلام بقية ذكرناها في حكمة تشريع الحجر في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.

وكما أن الشريعة الإسلامية حثت الكبير على أن يعين الصغير، كذلك حثت من آتاه الله عقلاً على أن يعين من حرم منه وإن كان كبيراً، لأن من ابتلاه الله بضعف العقل وفقد ادراك فقد جعله كالأطفال في هذه الحياة وإن كان كبير الجسم والسن، فإن العقل هو الذي يمتاز به الإنسان عن الحيوان، فإذا ذهب أصبح الإنسان كالأطفال، فلا يصح تركه وشأنه حتى يقضي عليه الأشرار، فالحجر بسبب الصغر والجنون لمصلحتهما أمر متفق عليه بين أئمة المسلمين: أما الحجر على الكبير العاقبل بسبب سوء التصرف، والسفه والتبذير ونحو ذلك مما يأتي فذلك محل خلاف (١) . ولكن جمهور الأئمة وعلماء الإسلام على أنه في حكم المجنون والصغير،


(١) الحنفية - قالوا: الذي قال إن السفه ليس سبباً من أسباب الحجر هو الإمام أبو حنيفة وحده، أما صاحباه فقد قالا كما قال جمهور الأئمة وهو أن السفيه يحجر عليه كالصغير والمجنون ويظهر أن الإمام يميل إلى عدم حبس الأموال، فمن كان أهلاً للتصرف فأحسن استثمار ماله فذاك، ومن لم يكن أهلاً وبذر فيه فجزاؤه أن ينتقل المال من يده إلى أيد متصرفة تنتفع به وتنفع الناس.
ومن أجل ذلك يقول الإمام: إن الوقف لا يلزم إلا بحكم الحاكم كما سيأتي في بابه.
فالحر العاقل لا يحجر عليه، سواء كان فاسقاً أو مبذراً على أنه يقول: إن من أسباب الحجر على العاقل أن يعمل عملاً يتعدى ضرره إلى غيره، كالطبيب الجاهل الذي لا يحسن الطب فيضر الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>