استعان بربه وحده فإن الله كفيل بمعونته، وهو نعم المولى ونعم النصير. فهو وحده المسؤول أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يقيني شر الإفتتان بمظاهر الحياة الدنيا، وأن يحفظني من شر السعي وراء المغانم الدنيوية بوسائل الآخرة، وأن ينفع به المسلمين.
"وبعد": فقد كنت عزمت على أن أذكر حكمة التشريع بإزاء أحكامها، كما أذكر أدلة الأئمة، ولكني أعرضت عن ذلك لأنني رايت في مناقشة الأدلة دقة لا تتناسب مع ما اردته من تسهيل للعبارات، ورايت في ذكر حكم التشريع تطويلاً قد يعوق عن الحصول على الأحكام، فوضعت حكمة التشريع في الجزء الثاني من كتاب الأخلاق.
أما الأدلة: فقد أفردها كثير من كبار علماء المسلمين بالذكر وكتبوا فيها أسفاراً مطولة ولكن مما لا أشك فيه أن الحاجة ماسة إلى وضع كتاب فيها يبين فيه اختلاف وجهة نظر كل واحد منهم بعبارة سهلة، وترتيب يقرب إدراك معانيها، فلهذا قد عزمت على وضع كتاب في ذلك مستعيناً بالله وحده، وبذلك تتم الفائدة من جميع جهاتها، ويعلم الناس أن أئمة المسلمين قد فهموا الشريعة الإسلامية قد جاءت بما مصلحة الناس جميعاً، وأنها لم تترك صغيرة ولاكبيرة من دقائق التشريع وعجائب الأحكام إلا وقد أشارت إليه، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فهي خالدة قائمة مدى الدهور والأزمان، لأنها من لدن حكيم عليم.