صحيحة، حين يتلقاها وهو متجرد من أية "مقررات" سابقة في هذا الباب -سواء من مقولاته الذاتية، أو من مقولات العقائد المحرفة، ولو كان لها أصل رباني- وعليه أن يتقيد فيما يتلقاه من ذلك المصدر الصحيح بالمدلول اللغوي أو الاصطلاحي للنص الذي وردت فيه هذه المقومات -بدون تأويل- ما دام النص محكما، وأن يصوغ من هذا المدلول مقرراته هو ومنهجه في النظر أيضا. فليس له أن يرفض هذا المدلول أو يؤوله -متى كان متعينا من النص- بحجة أنه غريب عليه أو صعب التصور عنده، أو أن منطقه لا يقره! فهو -العقل البشري- ليس حَكَما في صحة هذا المدلول أو عدم صحته -في عالم الحقيقة والواقع- وإنما هو حكم فقط في فهم دلالة النص على مدلوله -وفق المفهوم اللغوي أو الاصطلاحي للنص- وما دل عليه النص فهو صحيح، وهو الحقيقة، سواء كان من مألوفات هذا العقل ومسلماته أم لم يكن ... ويستوي في هذه القاعدة العقيدة والشريعة:
وصدق علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:"لو كان الدين بالرأي, لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه""أخرجه أبو داود".
ومن ثم, فإن محاكمة التصور الإسلامي أو محاكمة مقوماته التي يقوم عليها -ومنها ما هو غيب، كالملائكة والجن والقدر، والقيامة، والجنة والنار- إلى العقل البشري ومقرراته الذاتية، منهج غير إسلامي.
وهذا لا يعني أن التصور الإسلامي مناقض أو مصادم للعقل البشري. فإن مقرراته كلها نوعان: نوع الإدراك البشري قادر على تصوره -عند تلقيه من المصدر الرباني- ونوع هو غير قادر على إدراكه ولكن منطقة ذاته يسلم بأن طبيعته أكبر من حدود إدراكه، وأن "وجود" ما هو أكبر من حدود إدراكه داخل في قدرة الله