للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلاقة بين العقل والوحي:

ولعلنا على ضوء ما سبق نستطيع أن نحدد العلاقة بين الوحي والعقل أو الصلة بينهما. وعلى هذا نفهم ما ورد عن تظاهر العقل والشرع، وعن التكامل بينهما كقولهم:

"العقل لن يهتدي إلا بالشرع، والشرع لا يتبين إلا بالعقل. فالعقل كالأُسّ والشرع كالبناء. ولن يغني أس ما لم يكن بناء، ولن يثبت بناء ما لم يكن أس.

وأيضا: فالعقل كالبصر، والشرع كالشعاع، ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج، ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر١ ...

فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان، بل متحدان ... والعقل بنفسه قليل الغناء، لا يكاد يتوصل إلا إلى معرفة كليات الشيء دون جزئياته، والشرع يعرف كليات الشيء وجزئياته، ويبين ما الذي يجب أن يعتقد في شيء شيء، وما الذي هو مَعْدَلة في شيء شيء.

وعلى الجملة: فالعقل لا يهتدي إلى تفاصيل الشرعيات، والشرع تارة يأتي بتقرير ما استقر عليه العقل، وتارة بتنبيه الغافل وإظهار الدليل، حتى يتنبه لحقائق المعرفة. وتارة بتذكير العاقل حتى يتذكر ما فقده، وتارة بالتعليم، وذلك في


١ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "العقل شرط في معرفة العلوم وكمال الأعمال وصلاحها، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلا بذلك، لكنه غريزة في النفس وقوة فيها، بمنزلة قوة البصر التي في العين, فإن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس" وإذا انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها، وإن عزل بالكلية كانت الأقوال والأفعال مع عدمه أمورا حيوانية، قد يكون فيها محبة ووجد وذوق كما يحصل للبهيمة" "مجموع الفتاوى" ٣/ ٣٣٨، ٣٣٩.

<<  <   >  >>