والصورة الواضحة الجلية لهذا النوع من الشرك هي ما كان معروفا من عبادة الأصنام والأوثان وإعطائها بعض خصائص الألوهية؛ ولذلك كانوا يطوفون حولها ويتمسَّحون بها، ويذبحون لها وينذرون، كي تقربهم إلى الله تعالى مكانة ومنزلة، وكأنهم يعتقدون أن الله تعالى بحاجة إلى هذه الواسطة، يستمدون بها من الله رزقا أو عطاء أو شفاعة أو قضاء حاجة من الحاجات:
"فهؤلاء كانوا يعلنون أن الله خالقهم وخالق السموات والأرض، ولكنهم لم يكونوا يسيرون مع منطق الفطرة في إفراد الخالق بالعبادة، وفي إخلاص الدين كله لله بلا شريك، وإنما كانوا يبتدعون أسطورة بنوة الملائكة لله سبحانه, ثم يصوغون للملائكة تماثيل يعبدونها، ثم يزعمون أن عبادتهم لتماثيل الملائكة -وهي التي دعوها آلهة أمثال اللات والعزى ومناة- ليست عبادة لها في ذاتها، وإنما هي زلفى وقربى لله؛ كي تشفع لهم عنده في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا.
وهو انحراف عن الفطرة واستقامتها إلى هذا التعقيد والتخريف, فلا الملائكة بنات الله، ولا الأصنام تماثيل الملائكة، ولا الله -سبحانه وتعالى- يرضى بهذا الانحراف، ولا هم يقبل فيهم شفاعة، ولا هو يقربهم إليه عن هذا الطريق.