للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: ٣١] .

وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانا واضحا ماهية العبادة التي وقع فيها هؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله، وفسّرها بأنهم أطاعوهم في معصية الله، واستحلوا ما أحلوه لهم من الحرام، وحرموا ما حرموه عليهم من الحلال، واستنصحوا الرجال, ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم:

عن عدي بن حاتم قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك! " قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة" فقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} ، قال: فقلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: "أليس يحرِّمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ " قال: قلت: بلى. قال: "فتلك عبادتهم" ١.

فقد كان عدي -رضي الله عنه- يظن أن العبادة هي التقرب إلى الأحبار والرهبان بالركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك، فقال: إنا لسنا نعبدهم. فصحح له النبي -صلى الله عليه وسلم- مفهوم العبادة بأنها طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم من تلقاء أنفسهم، وبذلك جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله، ومن أطاعهم في ذلك كان عابدا لهم من دون الله٢.


١ أخرجه الطبري من طرق: ١٤/ ٢١٠، ٢١١، واختصره الترمذي: ٨/ ٤٩٢-٤٩٤. وقال: هذا حديث غريب، وأخرجه البغوي في "التفسير": ٤/ ٣٩، والبيهقي في "السنن": ١٠/ ١١٦، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" ص٤٣٧، وانظر: "الدر المنثور" للسيوطي: ٤/ ١٧٤، "الكافي الشاف" لابن حجر ص٧٥.
٢ انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص٥٥١، "مفاهيم ينبغي أن تصحح"، ص١١٠، ١١١", واقرأ الفصل بكامله عن مفهوم "لا إله إلا الله".

<<  <   >  >>