للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٤، ٥] .

وبعد أن غرس النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك العقيدة في نفوس أصحابه، ورباهم عليها، وعرّفهم بربهم سبحانه وتعالى، وأن شأنهم هو شأن العبد مع الإله الخالق الرازق المشرِّع، وأنه لا إله إلا هو، وعرفهم تكاليف هذه العقيدة وأعباءها، وصبروا على الطريق الطويل الشاق، وخلصت نفوسهم لله ... عندئذ جاءت العناية بكل جوانب البناء الضخم لهذه الشريعة الخالدة، من عبادة وأخلاق وتشريع ...

فالعقيدة هي الأساس، الذي يقوم عليه البناء، وما لم يقم العمل على هذه العقيدة فإنه سيكون هباء منثورا، لا ينفع صاحبه:

{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣] .

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: ٣٩] .

وقضت إرادة الله سبحانه وتعالى أن يقوم هذا الدين على قاعدة "الألوهية الواحدة" ".. كل تنظيماته، وكل تشريعاته، تنبثق من هذا الأصل الكبير ... وكما أن الشجرة الضخمة الباسقة، الوارفة، المديدة الظلال، المتشابكة الأغصان، الضاربة في الهواء.. لا بد لها من أن تضرب بجذورها في التربة على أعماق بعيدة، وفي مساحات واسعة تناسب ضخامتها وامتدادها في الهواء.. فكذلك هذا الدين".

"إن نظام هذا الدين يتناول الحياة كلها، ويتولى شئون البشرية، كبيرها وصغيرها، وينظم حياة الإنسان، لا في الحياة الدنيا وحدها، ولكن كذلك في الدار الآخرة، ولا في عالم الشهادة وحده، ولكن كذلك في عالم الغيب، ولا في المعاملات المادية الظاهرة وحدها، ولكن كذلك في أعماق الضمير ودنيا السرائر والنوايا، فلا بد إذن من جذور وأعماق بهذه السعة والضخامة

<<  <   >  >>