للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعمق والانتشار أيضا.

ومتى استقرت عقيدة "لا إله إلا الله" في أعماقها الغائرة البعيدة, استقر معها في الوقت نفسه النظام الذي تتمثل فيه: "لا إله إلا الله"، وتعين أنه النظام الوحيد، الذي ترتضيه النفوس التي استقرت فيها العقيدة، واستسلمت هذه النفوس ابتداء لهذا النظام"١.

ومن الأمثلة الكثيرة الرائعة، التي تدل على هذه الحقيقة، ما حدث عند نزول النهي عن الخمر، في مجلس شرب، ولم تكن الخمر قد حُرمت قبل ذلك، أي: في صدر الإسلام.

فعن ابن بريدة عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شراب لنا، ونحن نشرب الخمر حِلًّا، إذ قمت حتى آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأسلّم عليه وقد نزل تحريم الخمر:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: ٩٠، ٩١] .

فجئت إلى أصحابي، فقرأتها عليهم إلى قوله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وبعض القوم شَرْبَتُه في يده، شرب منها بعضا وبقي بعض في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجام، ثم صبوا ما في باطيتهم، فقالوا: انتهينا يا ربنا! انتهينا يا ربنا! ٢.


١ معالم في الطريق، ص٣١، ٣٢، طبعة دار الشروق، ١٣٩٩هـ.
٢ تفسير الطبري: ١٠/ ٥٧٢، تحقيق الشيخ محمود شاكر.
وقوله: "فقال بالإناء ... " يعني: أماله ثم نزعه، كما ينزع الحجام كأس الحجامة. و"الباطية": إناء عظيم من زجاج يملأ من الشراب، يغرفون منها ويشربون.

<<  <   >  >>