للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"ولم يزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يربِّيهم تربية دقيقة عميقة، ولم يزل القرآن الكريم يسمو بنفوسهم ويذكي جمرة قلوبهم، ولم تزل مجالس الرسول -صلى الله عليه وسلم- تزيدهم رسوخا في الدين, وعزوفا عن الشهوات، وتفانيا في سبيل المرضاة، وحنينا إلى الجنة، وحرصا على العلم، وفقها في الدين، ومحاسبة للنفس، يطيعون الرسول في المنشط والمكره، وينفرون في سبيل الله خفافا وثقالا ... ونزلت الآيات بكثير مما لم يألفوه ولم يتعودوه، وبكل ما يشق على النفس إتيانه، فنشطوا وخفوا لامتثال أمرها.

وانحلت العقدة الكبرى -عقدة الشرك والكفر- فانحلت العقد كلها، وجاهدهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- جهاده الأول، فلم يحتج إلى جهاد مستأنف لكل أمر ونهي. وانتصر الإسلام على الجاهلية في المعركة الأولى، فكان النصر حليفه في كل معركة.

رأينا كيف نزل تحريم الخمر، والكئوس المتدفقة على راحاتهم، فحال أمر الله بينها وبين الشفاه المتلمِّظة والأكباد المتَّقدة، كسرت دنان الخمر فسالت في سكك المدينة"١.

إن القلوب يجب أن تخلص أولا لدين الله تعالى، وتعلن عبوديتها له وحده، بقبول شرعه وحده، ورفض كل شرع آخر غيره, فإن نظام الله خير في ذاته؛ لأنه من شرع الله، ولن يكون شرع العبد يوما كشرع الله:

{أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ} [البقرة: ١٤٠] .

وما يزعم مسلم أبدا أن شرع العبد وحكم العبد كشرع الله وحكم الله، وإلا فهو الكفر:

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦] .


١ "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟ " لأبي الحسن الندوي، ص٩٨، ٩٩.

<<  <   >  >>