للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولئن كانت مواجهة تلك العوامل أمرا ضروريا، فإن بعضها قد سبب انحرافا في المنهج الذي سلكه بعض العلماء، متمثلا في "علم الكلام"، الذي وقف منه علماء السلف موقفا متشددا, على ما سنلمح إليه فيما يأتي، إن شاء الله تعالى.

وفي هذا يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:

"ولقد وقع -في طور من أطوار التاريخ الإسلامي- أن احتكت الحياة الإسلامية الأصيلة المنبثقة من التصور الإسلامي الصحيح، بألوان الحياة الأخرى التي وجدها الإسلام في البلاد المفتوحة، وفيما وراءها كذلك، ثم بالثقافات السائدة في تلك البلاد.

واشتغل الناس في الرقعة الإسلامية, وقد خلت حياتهم من هموم الجهاد، واستسلموا لموجات الرخاء ... وجدّت في الوقت ذاته في حياتهم من جراء الأحداث السياسية وغيرها مشكلات للتفكير والرأي والمذهبية, كان بعضها في وقت مبكر منذ الخلاف المشهور بين علي ومعاوية.

اشتغل الناس بالفلسفة الإغريقية والمباحث اللاهوتية التي تجمعت حول المسيحية، والتي ترجمت إلى اللغة العربية ... ونشأ عن هذا الاشتغال الذي لا يخلو من طابع الترف العقلي في عهد العباسيين، وفي الأندلس أيضا، انحرافات واتجاهات غريبة على التصور الإسلامي الأصيل، التصور الذي جاء ابتداء لإنقاذ البشرية من مثل هذه الانحرافات, ومن مثل هذه الاتجاهات وردها إلى التصور الإسلامي الإيجابي الواقعي، الذي يدفع بالطاقة كلها إلى مجال الحياة للبناء، والتعمير، والارتفاع والتطهير, ويصون الطاقة أن تنفق في الثرثرة، كما يصون الإدراك البشري أن يُزَجّ به في التيه بلا دليل.

ووجد جماعة من علماء المسلمين أن لا بد من مواجهة آثار هذا الاحتكاك،

<<  <   >  >>