للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغراض كون المسند فعلا أو اسما:

وأما كونه فعلا: فللتقييد بأحد الأزمنة الثلاثة على أخصر ما يمكن١ مع إفادة التجدد٢.

وأما كونه اسما: فلإفادة عدم التقييد٣ والتجدد، ومن البين فيهما قول الشاعر "من البسيط":

لا يألف الدرهم المضروب صرتنا ... لكن يمر عليها وهو منطلق٤

وقوله "من الكامل":

أَوَكلما وردت عكاظ قبيلة ... بعثوا إلي عريفهم يتوسم٥

إذ معنى الأول على انطلاق ثابت للدرهم مطلقا من غير اعتبار تجدده وحدوثه، ومعنى الثاني على توسم وتأمل ونظر يتجدد٦ من العريف هناك.


١ نكتة الاختصار هي في الحقيقة مرجع البلاغة في هذا الغرض؛ لأن دلالة الفعل على الأزمنة الثلاثة بأصل وضعه، ووجه الاختصار بأن قولك: "قام زيد أو زيد قام" يفيد مع الاختصار معنى قولك: "زيد حصل منه القيام في الزمن الماضي" ولكن هذا الاختصار لا يكاد يمتاز به بليغ عن غيره، والذي يدخل منه في معنى البلاغة دلالته على الاستمرار التجددي كما سيأتي.
٢ المراد بالتجدد حصول الشيء بعد عدمه، والفعل يدل عليه بأصل وضعه أيضا، وإنما تعرّض لإفادته ذلك؛ لأن من الأسماء ما يشارك الفعل في الدلالة على أحد الأزمنة, كاسم الفاعل، فإنه حقيقة في الحال، مجاز في الاستقبال.
٣ أي: بأحد الأزمنة؛ لأنه يدل على الثبوت فقط، وهي دلالة وضعية لا يصح عدها من وجوه البلاغة، وإنما الذي يصح عده دلالته على الدوام بمعونة القرائن إذا كان المقام يقتضي كمال المدح أو الذم ونحوهما، وكما سيأتي في البيت الآتي.
٤ هو للنضر بن جؤية؛ والمشهور نصب "صرتنا" على أنه مفعول، ولكن الأحسن نصب "الدرهم" ليكون عدم الإلف من جانب الصرة، فيدل على غناهم وإنفاقهم، أما الأول فيحتمل أن عدم إلف الدرهم صرتهم لفقرهم، مع أنه يقصد التمدح بغناهم وجودهم؛ ولهذا حمل بعضهم الجملة الاسمية "وهو منطلق" على إفادة الدوام ليكون المدح أكمل.
٥ هو لطريف بن تميم العنبري، وعكاظ: سوق بين نخلة والطائف، والعريف: القيّم الذي يقوم بأمر القوم، ويريد أنهم يبعثون إليه عريفهم من أجل شهرته وعظمته.
٦ يريد به الدوام التجددي، والفعل إنما يُدل عليه بمعونة القرائن؛ لأن التجدد الذي يدل الفعل عليه بأصل وضعه هو حصول الشيء بعد عدمه، والبلاغة في الفعل إنما تكون بدلالته على الدوام التجددي، ومما يتبين الفرق فيه بين المسند الفعلي والمسند الاسمي قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} بعد قوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ١٤، ١٥] ؛ لأن دلالة الأول على الاستمرار التجددي، وهو أبلغ.

<<  <  ج: ص:  >  >>