فهل كانت رحمته في الأولى والحسد في الثانية إلا لأنه رآه حين افتتح التشبيه قد ذكر ما لا يحضر له في أول الفكر شبه، وحين أتمه صادفه قد ظفر بأقرب صفة من أبعد موصوف.
وذكر الشيخ عبد القاهر -رحمه الله- للاستطراف في تشبيه البنفسج بنار الكبريت وجها آخر١، وهو أنه أراك شبها لنبات غض يرفّ وأوراق رطبة من لهب نار في جسم مُستَولٍ عليه اليبس، ومبنى الطباع وموضوع الجبلّة على أن الشيء إذا ظهر من مكان لم يعهد ظهوره منه، وخرج من موضع ليس بمعدن له؛ كانت صبابة النفوس به أكثر، وكان الشغف به أجدر.
ما يعود إلى المشبه به من أغراض التشبيه:
وأما الثاني فيكون في الغالب إيهام أن المشبه به أتم من المشبه في وجه الشبه، وذلك في التشبيه المقلوب، وهو أن يكون الأمر بالعكس٢؛ كقول محمد بن وهيب:
وبدا الصباح كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح٣
فإنه قصد إيهام أن وجه الخليفة أتم من الصباح في الوضوح والضياء.
واعلم أن هذا وإن كان في الظاهر يشبه قولهم:"لا أدري أوجهه أنوَر أم الصبح؟، وغرته أضوأ أم البدر؟ "، وقولهم إذا أفرطوا: "نور الصباح يخفى في ضوء