"أراك تنفخ في غير فحم١ وتخط على الماء" والمعنى: إنك في فعلك كمن يفعل ذلك. وكما يقال لمن يُعمِل الحيلة حتى يُميل صاحبه إلى ما كان يمتنع منه:"ما زال يفتل منه في الذروة والغارب حتى بلغ منه ما أراد" والمعنى أنه لم يزل يرفق بصاحبه رفقا يشبه حاله فيه حال من يجيء إلى البعير الصعب فيحكه، ويفتل الشَّعْر في ذروته وغاربه٢ حتى يسكن ويستأنس.
وهذا في المعنى نظير قولهم:"فلان يقرِّد فلانا" أي: يتلطف به فعل من ينزع القراد٣ من البعير؛ ليلتد بذلك، فيسكن ويثبت في مكانه حتى يتمكن من أخذه.
وكذا قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} ٤ فإنه لما كان التقدم بين يدي الرجل خارجا عن صفة المتابع له؛ صار النهي عن التقدم متعلقا باليدين مثلا للنهي عن ترك الأتباع. وكذا قوله تعالى:{وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ٥ إذ المعنى -والله أعلم- أن مَثَل الأرض في تصرفها تحت أمر الله تعالى وقدرته مَثَل الشيء يكون في قبضة الآخذ له منا، والجامع يده عليه. وكذا قوله تعالى:{وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ٦ أي: يخلق فيها صفة الطي حتى ترى كالكتاب المطويّ بيمين الواحد منا، وخص اليمين ليكون أعلى وأفخم للمثل؛ لأنها أشرف اليدين وأقواهما والتي لا غناء للأخرى دونها؛ فلا يهش إنسان لشيء إلا بدأ بيمينه فهيأها لنيله، ومتى قصد جعل الشيء في جهة العناية جعل في اليد اليمنى،