للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حريص على الدنيا مضيع لدينه ... وليس لما في بيته بمضيع١

وعليه قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} [البقرة: ١٨] وقوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ، نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة: ١٠، ١١] ، وقيام القرينة شرط في الجميع٢.

أغراض ذكر المسند إليه:

وأما ذكره؛ فإما لأنه الأصل، ولا مقتضي للحذف٣.


١ هما للمغيرة بن عبد الله, المعروف بالأقيشر الأسدي. والندى: الكرم.
والشاهد في قوله: "سريع إلى ابن العم"؛ لأن التقدير: هو سريع، والحذف فيه لصون اللسان عن المحذوف مع الاختصار والاحتراز عن العبث.
٢ أي: في جميع أغراض الحذف؛ لأنه لا يصح الحذف إلا معه، واعتبار البلاغة إنما يكون بعد اعتبار الصحة، وقد يغني عن هذا قوله فيما سبق: "بناء على الظاهر".
هذا, وقد ترك أمثلة حذف المسند إليه الفاعل مع إنابة المفعول عنه، ومن ذلك هذه الأمثلة:
-
سُبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها ... مُنعنا بها من جيئة وذهوب "الطويل"
-
نبئت أن أبا قابوس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد "البسيط"
-
أسرت وما صحبي بعُزل لدى الوغى ... ولا فرسي مهر ولا ربه غمر "الطويل"
-
لئن كنت قد بلغت عني خيانة ... لمبلغك الواشي أغش وأكذب "الطويل"
والحذف في الأول للعلم بالمحذوف، وفي الثاني للخوف عليه، وفي الثالث لضيق المقام، وفي الرابع لاحتقار المحذوف.
٣ إنما قدم أغراض الحذف على أغراض الذكر؛ لأن الأولى أهم في البلاغة من الثانية، والذكر الذي يُبحث عن أغراضه هو الذي يصح الاستغناء عنه لوجود القرينة، فوجودها شرط في الذكر كما هو شرط في الحذف؛ لأنه مع فقدها يتعين الذكر، وإنما يُبحث في هذا العلم عن الأغراض المرجحة كما سبق. وقد اعتُرض على هذا الغرض بأنه مع وجود القرينة يكون مقتضى الحذف موجودا، ويكون الأصل الحذف، لا الذكر، وأجيب بأنه يريد لا مقتضى الحذف في قصد المتكلم وإن كان موجودا في نفسه. وإني أرى أنه متى وجدت القرينة يتعين الحذف بلاغة، ولا يصح الذكر لمثل هذا الغرض؛ فالأولى الاقتصار على ما بعده. وقيل: إن مراده أن الذكر هو الأصل عند فقد القرينة؛ ويكون ما بعده من الأغراض عند وجودها، ولا يخفى ضعف هذا الجواب أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>