تفعل الغنم، ومنهم من يعتنق كلبًا يستدفئ به، وكلهم لا مأوى لهم ولا لهم من يعولهم يقاسون من الشدة والبرحاء ما ينبئك هذا الوصف عن الشرح.
وحبذا لو أعار أهل اليسار نظرة الشفقة والمرحمة لهم فواسوهم بما آتاهم الله من فضله وتبصروا في إنقاذ هؤلاء من هذا العذاب "وما هؤلاء المساكين إلا بعض من كل" ولا ينسى المؤمن ما حث القرآن على إكرام اليتيم وحض على الإحسان إلى المسكين في آيات عدة، وكيف هدد المستأثرين بالمال أشد التهديد بقوله:{كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ، وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَمّاً، وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} وكيف آذان في سورة {أَرَأَيْت} بأن الذي يدع اليتيم أي يدفعه ويزجره هتكًا لحرمة حقه ولا يحض على طعام المسكين هو المكذب بالدين بصيغة الحصر "نعوذ بالله من غضبه" إيذانا والله تقشعر منه الذين يخشون ربهم لو تدبروا هذا الوعيد الشديد فإنا لله.
أذكر في رمضان سنة "١٣٢٣" أن فقيرًا من أبناء السبيل مرض عند صاحب له من الفقراء فلما اشتد مرضه حاول إيواءه في المستشفى فدفع عنه أو لم يظفر بوساطة مطاع فأرجعه إلى جامع السنانية ووضع على التخت تحت سقف إيوانه الغربي والبرد قارس والهواء لاسع فقيض الله من الفقراء من صار يخدمه ويسعى في إطعامه وهو على التخت ملقى ووقف على علاجه طبيب مغربي غريب عن البلدة دخل اتفاقًا إلى الجامع فرآه فصار يتردد لعلاجه ومعه أدوية، ولم أر أحدًا من أغنياء المصلين على كثرتهم -لا سيما في العشر الأخير من رمضان- أعاره نظر الرحمة أو رأى أنه مطالب من الله بإيواء مثله وتفقده "فوا أسفاه وإنا لله" وأتذكر أنا طبخنا له في سدة الجامع وكنا معتكفين في الجامع طعامًا فشم بعض الأغنياء المطموس على بصيرتهم رائحته فأنكر أن تكون في المسجد فقال له شعال المسجد "من أنكر فليتفضل بإيواء هذا المريض وليكف الإمام مئونته" فبهت وكأنه القمه حجرًا ثم ما لبث ذاك المريض أن مات والله يشهد ما دخلنا من التحرق على هذا الحال.
أفلا يجب على الأغنياء أن يتفكروا في إشادة ملاجئ عديدة لمثل هؤلاء