والاكتتاب فيها، أو تبرعهم بتمريض من يرونه كذلك في دورهم وأجرهم على الله تعالى. ولئن كان بني حديثًا في دمشق مستشفى وقبله دار صناعة للأيتام وكان لهما من الأيادي البيضاء على الفيحاء ما لا ينكر ولكن بلدة كهذه من أين يتسع مكانان فيها لسائر المرضى والأيتام أفلا يكون أهل اليسار والأكابر هم المكلفون بذلك، بلى والله ثم والله. فقههم المولى في الدين، وعلمهم التأويل، ليدركوا الواجبات التي من وراء تركها عذاب الجحيم.
ومن راجع كرم السالفين من أغنيائنا يقف مدهوشا من بذلهم كرائم الأموال للآثار النافعة كالمدارس والمستشفيات ولمواساة العجزة والأرامل واليتامى والمستضعفين ووقفهم عليها الأوقاف الدارة بالريع الكثير وغالبها الآن قد اندثر بسب نسيان فعل الخير والإهمال الذي استولى علينا وفقد الإحساس والشعور بالمنفعة العامة التي عليها مدار بقاء هذا النوع الإنساني من جهة وحياته وسعادته من جهة أخرى، بل شمل إحسانهم للحيوانات فإن السبلان التي في الطرقات أكثرها للرحمة بالدواب. تأمل الآن ترى بعض السبلان يتبرع جيرانها بعمل شباك من حديد لمنع الحيوانات من ورودها، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
فوا أسفاه على انقلاب الحال وأكل الأوقاف وبيع ما بقي. من أين فشا هذا في المسلمين ولم يكن معروفًا في سلفهم ولا نراه في مخاليفهم من الملل. نسينا ما كان لنا وتركناه، فأخذه غيرنا وآواه.
ولقد تذكرت فادحة ما سمع بمثلها في عصر من العصور: مدرسة في بيت المقدس موقوفة على الشافعية وقفها السلطان صلاح الدين اضمحل أمرها وخربت سقوفها وتركت مأوى لليوم فتفطن لها بعض مياسير النصارى -وناهيك ما يبذلون لإعلاء كلمتهم وترسيخ شأنهم- فبذلوا من الدنانير ما أرضى الوسائط والسعاة فمنحتها الحكومة لهم وصارت كنيسة والتاريخ الصلاحي على باب حرمها لم يزل. وقد ذهب بي إليها أيام رحلتي للقدس عام ١٣٢١ أحد الأصحاب وقال لي راهبها إن هذه أصلها كنيسة كما في تاريخ الأنس الجليل، يعني: فرجع الشيء إلى أصله. فسكت مدهوشًا من هذا الحال، وشؤم