للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: أن يعرف ما بعد "إلا" على حسب العوامل قبلها؛ بشرط أن يكون الكلام "مفرغًا"١، وهذه الصورة لا تعد من صور الاستثناء؛ لعدم وجود المستثنى منه٢، لهذا تعرب "إلا" ملغاة، ويعرب ما بعدها فاعلًا، أو مبتدأ، أو مفعولًا، أو خبرًا، أو غير ذلك على حسب السياق ... فكأن كلمة: "إلا" غير موجودة من هذه الناحية الإعرابية٣ فقط، دون المعنوية ويسمون الكلام: "مفرغًا"؛ لأن ما قبل "إلا" تفرغ للعمل الإعرابي فيما بعدها، ولم يشتغل بالعمل في غيره، ومن الأمثلة:

ما أخطأ إلا واحد متسرع ... - ما العدل إلا دعامة الحكم الصالح.

ما سمعت إلا بلبلًا صداحًا ... - ليس العمل إلا سلاح الشريف.

ما ذهبت إلا للنابغ٤ ... - ما سعيت إلا في الخير.

ونحو:

يأبى الحر إلا العزة ... - يأبى الله إلا أن يتم نوره٥.


١ من التفريغ النوع الآتي من ص ٣٢٦، وهو نوع دقيق يشبع في الأساليب العالية.
٢ انظر البيان في رقم ٢ من هامش ص ٣١٦.
٣ لأن ما بعدها يكون خاضعًا في إعرابه لحاجة ما قبلها؛ فكأنها غير موجودة. لكنها من ناحية المعنى تفيد استثناء ما بعدها من حكم ما قبلها.
٤ أصل الكلام: ما ذهبت لأحد إلا النابغ فلما حذف المستثنى منه وهو: أحد، بقيت لام الجر منفردة تحتاج لشيء بعدها تتصل به، وتجره؛ إذ لا يمكن أن تستقل بنفسها؛ فتأخرت إلى ما بعد "إلا" ولتجره؛ لأنه خاضع في إعرابه لما قبلها، ولا يمكن تقديمه وحده دون "إلا".
وهذا التفسير هو الذي أحلنا عليه في رقم ٦ من هامش الصفحة السابقة رقم ٢ من هامش ص ٢١٧".
ومثل هذا في التفريغ قول الشاعر:
لا يكذب المرء إلا من مهانته ... أو عادة السوء، أو من قلة الأدب
يريد: لا يكذب المرء من شيء إلا من مهانته ...
٥ الكلام هنا مفرغ؛ لأن المستثنى منه محذوف، ولوجود نفي معنوي في كلمة "يأبى"؛ لأن معناها دائمًا هو: لا يريد كما سبق، في ص ٣١٧ "هذا تأويلهم، وفيه مجال للتوقف والرفض".
وجاء في المغنى ج ٢ الباب الثامن ما نصه في القاعدة السادسة:
وقع الاستثناء المفرغ في الإيجاب في نحو قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} وقوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ} ... لما كان المعنى: وأنها لا تسهل إلا على الخاشعين ... ولا يريد الله إلا أن يتم نوره". ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>