للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصل الكلام مثلًا قبل حذف المستثنى منه:

... ما أخطأ المتكلمون إلا واحدًا متسرعًا ... - أو: واحد متسرع.

... ما العدل دعامة الحكم الصالح ... - أو: دعامة الحكم الصالح.

... ما سمعت طيورًا مغردة إلا بلبلًا صداحًا ... - أو: بلبلًا صداحًا.

... ليس العمل سلاحًا إلا سلاح الشريف ... - أو: سلاح الشريف.

... ما ذهبت لحد إلا النابغ ... - أو: النابغ.

... ما سعيت في أمر إلا الخير ... - أو: الخير.

... يأبى الحر كل شيء، إلا العزة ... - أو: العزة.

... يأبى الله كل شيء إلا إتمام نوره ... - أو: إتمام ...

فالكلام في أصله كلام تام غير موجب، يجوز فيه الأمران السالفان؛ إما النصب على الاستثناء، وإما الاتباع على البدلية، فلما حذف المستثنى منه صار الكلام نوعًا جديدًا؛ هو: المفرغ١، وصار له حكم جديد خاص، تبعًا لذلك ...


١ يجوز التفريغ لجميع المعمولات، إلا المفعول معه، والمصدر المؤكد لعامله. وكذا الحال المؤكد لعامله؛ فلا يقال: ما سرت إلا والأشجار، ما زرعت إلا زرعًا، لا تعمل إلا عاملا.
وسبب المنع وقوع التناقض بذكر المعنى مثبتًا أو منفيًا قبل: "إلا" ثم مخالفته بعد: "إلا" وأما قوله تعالى: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً} ، فالقرائن تدل على أن المراد: إن نظن إلا ظننًا عظيمًا، فهو بسبب القرينة مصدر مبين للنوع، وليس مؤكدّا.
ويجوز أن يقع "التفريغ" في غير ما سبق منعه؛ فمن التفريغ للمبتدأ قوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} ، ومن التفريغ للفاعل قول الشاعر:
ما المجد زخرف أقوال تطالعه ... لا يدرك المجد إلا كل فعال
وللظرف قول الشاعر:
لم يضحك الورد إلا حين أعجبه ... حين الرياض، وصوت الطائر الغرد
وللجار مع مجروره قول الشاعر: يمدح الخليفة باحتمال التعب لراحة الرعية:
بصرت بالراحة الكبرى فلم ترها ... تنال إلا على جسر من التعب
وقول الآخر:
ما القرب إلا لمن صحت مودته ... ولم يخنك، وليس القرب للنسب
وللنعت بالجملة قول الشاعر:
وافيت منزله: فلم أر صاحبًا ... إلا تلقاني بوجه ضاحك
ثم انظر "أ" الآتية في "الزيادة والتفصيل" ص ٣٢٦ حيث النوع من التفريغ المشتمل على جملة فعلية قسمية ... ويشبع في الأساليب الأدبية المسموعة، وهو نوع يخالف ما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>