للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنها: أن "غير" لا تكون ظرفًا، أما "سوى" فتقع ظرف مكان في مثل: "جاء الذي سواك"، عند من يرى ذلك، ويجعلها صلة الموصول؛ "لأن الصلة لا تكون إلا جملة أو شبه جملة"، والتقدير عنده: جاء الذي استقر في مكانك عوضًا عنك، ثم توسعوا في استعمال "سواك" ومكانك، فجعلوهما مجازًا بمعنى: "عوضك" من غير ملاحظة حلول بالمكان.

ومنها: أن استعمال "غير" في الاستثناء ليس هو الأكثر، وإنما الأكثر أن تكون:

١– نعتًا لنكرة؛ فتفيد مغايرة مجرورها للمنعوت، أما في ذاته المادية؛ نحو: "أقبلت على رجل غير١ علي"، وإما في وصف طارئ على ذاته المادية، نحو: "خرج البريء من المحكمة بوجه غير الذي دخل به"، ذلك أن وصف الوجه مختلف في الحالتين ... ، أما ذات الوجه، ومادته التي يتكون منها، فلم تتغير. وكقول الشاعر:

تحاول مني شيمة غير شيمتي ... وتطلب مني مذهبًا غير مذهبي

"فالشيمة، أو المذهب، وصف طارئ على الذات، وأمر عرضي لاحق بها، وليس جزءًا أساسيًا في تكوينها المادي الأصيل.

٢– أو نعتًا لشبه النكرة: وهو المعرفة المراد منها الجنس٢، نحو قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة "غير" مجرورة، وهي لذلك نعت لكلمة: "الذين" المراد بها جنس لأقوام معينين ٣، وليست للاستثناء؛ إذ لو كانت للاستثناء لوجب نصبها.


١ ليست هنا أداة استثناء لما هو مقرر من وجوب أن يكون المستثنى منه في الأغلب أعم من المستثنى، بحيث يشمله.
٢ كاسم الموصول؛ فإنه مبهم باعتبار عينه، من غير اعتبار صلته معه؛ فإنها تزيل إبهامه، وتجعله مغنيًا، كما سيجيء في "ج" من ص ٣٥٠.
٣ كيف تقع "غير" نعتًا لاسم الموصول وأشباهه مع أنها نكرة وهو معرفة؟
والجواب: أن منعوتها وحده من غير الصلة بمنزلة النكرة؛ فهي مطابقة له في التنكير، أو: أن إبهامها وتنكيرها ضعيفان بسبب وقوعها بين ضدين، فهي قريبة من المعرفة؛ فتقع نعتًا للمعرفة بالإيضاح الوارد عنها في ج ٣ باب الإضافة. والرأي الحق هو أن العرب استعملت في كلامها "غير" نعتًا للنكرة أحيانًا، وللمعرفة التي تشبهها حينًا؛ كما في الآية المعروضة، وتفصيل هذا كله على وجه =

<<  <  ج: ص:  >  >>