فما الداعي لهذا؟ إن كان دخول الواو على الجملة المضارعية المثبتة المجردة من "قد" غير مقبول، وغير صحيح وجب التصريح بهذا، والحكم على ما يخالفه بأنه سماعي؛ يحفظ ولا يقاس عليه، وإن كان دخول الواو صحيحًا وجب التصريح بهذا أيضًا من غير تأويل، وإن كان التأويل يبيح الممنوع وجب السماع بالواو لكل من شاء، ومن أراد بعد ذلك أن يحمل نفسه مشقة التأويل، فهو حر فيما يرتضيه لها. ولا شك أن التأول على هذه الصورة لا خير فيه، وأن الخير في منع الواو في مثل هذا المواضع. ١ اقتصر ابن مالك على حالة واحدة من الحالات التي تمتنع فيها الواو، سجلها بقوله: وذات بدء بمضارع ثبت ... حوت ضميرًا، ومن الواو خلت-٢١ يريد: أن الجملة المضارعية المثبتة الواقعة حالًا تحوي الضمير الرابط، وتخلو من الواو المستعملة في الربط؛ لأن هذه الواو لا تصلح للربط هنا، ثم بين أن الجملة المضارعية الحالية المسبوقة بالواو ينوى ويقدر لها بعد هذه الواو مبتدأ محذوف، خبره الجملة المضارعية؛ فتكون مسندة له، يقول: وذات واو بعدها انوا مبتدا ... له المضارع اجعلن مسندا-٢٢ وما عدا هذه الحالة التي اقتصر عليها يجوز فيها الربط بالواو فقط، أو بالضمير فقط، أو بهما معًا؛ فيقول: وجملة الحال سوى ما قدما ... بواو، أو بمضمر، أو بهما-٢٣ ٢ لتقرب زمنها من الحال، وهذا هو الرأي المختار، ويرى فريق آخر من النحاة لزوم: "قد" مع الماضي لكن يقول "أبو حيان" ما نصه: "الصحيح جواز وقوع الماضي حالًا بدون "قد"، ولا يحتاج لتقديرها؛ للكثرة. ورد ذلك، وتأويل الكثير، ضعيف جدًا؛ لأنا إنما تبني المقاييس العربية على وجود الكثرة. ا. هـ، راجع "الهمع" ج ١ ص ٢٤٧ آخر باب الحال. وهذا الرأي حسن، وفي الأخذ به تيسير تؤيده النصوص الكثيرة المسموعة كما يقول أبو حيان، ومن وافقه ومن تلك النصوص قوله تعالى: {هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا} ، وقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} ، وآخر الشطر الثاني من قول الشاعر: وإني لتعروني لذكراك هزة ... كما انتفض العصفور بلله القطر هذا، ولا تدخل "قد" على الجملة الماضوية التي فعلها جامد؛ كأفعال الاستثناء "ليس، خلا، عدا، حاشًا" كما سبق في رقم ٣ من هامش ص ٣٥٤.