للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنحاة يسمون هذا الفعل١"عاملًا".

ويقولون أيضًا: إن حرف الجر الأصلي وما ألحق به بمثابة قنطرة توصل المعنى من العامل إلى الاسم المجرور، أو بمثابة رابطة تربط بينهما؛ ولا يستطيع العامل أن يوصل أثره إلى ذلك الاسم إلا بمعونة حرف الجر الأصلي أو ما ألحق به؛ فهو وسيط، أو وسيلة للاتصال بينهما٢، ومن أجل هذا كان حرف الجر الأصلي وملحقه مؤديًا معنى فرعيًا، وهو في الوقت نفسه أداة من أدوات تعدية الفعل اللازم لمفعول به معنى "أي: حكمًا"، وهذه الأداة تتغير وتتنوع طبقًا للمعنى الذي يراد منها أن تؤديه.

مثال آخر: "قعد الرجل" ... فهذه جملة مفيدة؛ لكن أقعد في البيت، أم في السفينة، أم في الحقل ... ؟ فمعنى الفعل: "قعد" في الجملة السالفة محتاج إلى تكملة فرعية تدعو للإتيان بالجار الأصلي مع مجروره؛ فإذا قلنا: قعد الرجل في السفينة ... انكشف المعنى الكامل للفعل: "قعد" بسبب اتصاله بالسفينة، وكان هذا الاتصال بمساعدة حرف الجر الأصلي، إذ ليس من الممكن أن نقول: قعد الرجل السفينة؛ بإيقاع المعنى على السفينة مباشرة بغير حرف الجر؛ لأن الاستعمال العربي الصحيح يأبى ذلك؛ برغم شدة احتياج العامل وهو هنا الفعل: "قعد" إلى كلمة: "السفينة" ليقع عليها أثره المعنوي، لكنه عاجز عن أن يوصله إليها بنفسه؛ فجاء حرف الجر الأصلي وسيطًا للجمع بينهما، ومعينًا على تذليل تلك الصعوبة، ووصل بين معنى الفعل


١ وكذا ما يشبهه من العوامل الأخرى الآتية في ص٤٣٩.
٢ ولهذا يسميها بعض النحاة: "حروف الإضافة"، كما أشرنا في رقم١ من هامش ص٤٣١؛ لأنها إذا كانت أصلية "كما جاء في بعض المطولات، ومنها "المفصل" جـ٢ ص١١٧ تضيف أي تحمل وتنقل إلى الأسماء المجرورة بها معاني الأفعال وشبهها، من كل ما يقع عليه التعلق يشبه الجملة. ولو لم يوجد الحرف الأصلي ما تحققت الفائدة الفرعية التكميلية، ولا صح الأسلوب بعد حذف الجار وحده، وإبقاء مجروره السابق وهذا في غير المواضع القليلة التي يصح فيها حذفه، ويظل ملحوظًا بالرغم من حذفه، ومعتبرًا كالمذكور بخلاف غير الأصلي، فإنه حذفه وحده لا يفسد الأسلوب، وفائدته إما جديدة مستقلة، لا يقصد منها أن تتمم نقصًا في غيرها؛ وهذا هو: "الشبيه بالزائد"، وإما مؤكدة لمعناه؛ وهذا هو "الزائد"، كما سيجيء في ص٤٥٠ و٤٥٢.
لهذا كان ما يسمونه "التعلق بالعامل" مقصورًا على حرف الجر الأصلي مع مجروره، وكذلك ما ألحق به

<<  <  ج: ص:  >  >>