للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاسم المجرور بعده، فهو بحق أداة اتصال بينهما؛ ولذا يعد وسيلة من وسائل تعدية الفعل اللازم إلى مفعول به تقديرًا، زيادة على ما يجلبه معه من معنى فرعي.

وكما سبق لا بد أن يتنوع هذا الحرف، ويتغير على حسب الغرض المعنوي المقصود١.

مثال ثالث: نام الوليد، فمعنى الفعل: "نام" معروف، ولكنه معنى يشوبه بعض النقص الفرعي؛ إذ لا يدل مثلًا على المكان الذي وقع فيه النوم، فالعامل؛ " وهو هنا الفعل: نام" بحاجة إلى إتمام المعنى بذكر المكان الذي وقع فيه أثره، فهل نقول: نام الوليد السرير؟ لا نستطيع ذلك؛ لأن الأساليب العربية السليمة تأباه، فالفعل عاجز عن إيصال معناه المباشر إلى تلك الكلمة، فنلجأ إلى الوسيط المساعد؛ وهو حرف الجر الأصلي، وشبهه ليوصل بين الاثنين، ويعدي الفعل اللازم إلى مفعول به معنى، "حكمًا"؛ فنقول: نام الوليد في السرير، ومثل هذا يقال في الفعلين: "دها"، و"ذم" من قول الشاعر:

ومن دعا الناس إلى ذمه٢ ... ذموه بالحق وبالباطل ...

وهكذا ...

من كل ما سبق نفهم أن حرف الجر الأصلي٣ مع مجروره إنما يقومان بمهمة مشتركة ومزدوجة، كانت السبب القوي في مجيئهما؛ وهي: إتمام معنى عاملها، واستكمال بعض نقصه٤ بما يجلبانه معهما من معنى فرعي جديد؛ وأحدهما وهو حرف الجر الأصلي٣ يقوم بمنزلة الوسيط الذي يصل بين العامل والاسم المجرور،


١ فيجب اختيار حرف الجر الذي يؤدي المعنى المراد، ولا يصح اختيار حرف لا يؤديه "راجع البيان الهام في ص١٦١، وفي رقم٤ من هامشها، ثم ما يتصل بهذا في ص٥٣٧"، ومن ثم تنوعت حروف الجر بتنوع المعاني في قول الشاعر:
انتخب للقريض لفظًا رقيقًا ... كنسيم الرياض في الأسحار
فإذا اللفظ رق شف عن المعنى ... فأبداه مثل ضوء النهار
مثل ما شفت الزجاجة جسمًا ... فاختفى لونها بلون العقار
٢ بأن يفعل ما يستدعي أن يذموه بسببه.
٣ و ٣ وكذا ما ألحق به.
٤ لتجلية هذه المسألة أيضًا والسبب في وجوب التعلق، ولو بالمحذوف تراجع ص٢٤٥، وما بعدها ففيها ما يتصل بوضوعنا ويفيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>