للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بسبب الاكتفاء بمعنى العامل دون احتياج إلى الجار مع مجروره، وإما بسبب فساد المعنى المراد من العامل إذا تعلقا به.

بيان ذلك: أن الكلام قد يشتمل على عدة أفعال أو غيرها مما يشبهها، فيتوهم من لا فطنة له أن التعلق بكل واحد منها جائز؛ فيسارع إلى التعليق غير متثبت من حاجة العامل لهذا التعليق، في استكمال المعنى أو عدم حاجته، وغير ملتفت إلى ما يترتب عليه من فساد المعنى أو عدم فساده؛ كما يتضح من الأمثلة التالية:

"جلست أقرأ في كتاب تاريخي" ... فلو تعلق الجار والمجرور: "في كتاب" بالفعل: "جلس" لكان المعنى: جلست في كتاب ... ، وهذا واضح الفساد، لكن يستقيم لمعنى لو تعلقا بالفعل: "أقرأ"، فيكون: أقرأ في كتاب تاريخي ...

"قاس الطبيب حرارة المريض، وكتبها، بمقياس الحرارة"، فلو تعلق الجار والمجرور بالفعل: "كتب" لكان المعنى: كتب الطبيب حرارة المريض بمقياس الحرارة. وهذا غير صحيح؛ لأنه لا يحصل، وإنما يصح المعنى بتعلقهما بالفعل: "قاس"؛ إذ كان الأصل: قاس الطبيب بمقياس الحرارة حرارة المريض، وهذا معنى سليم.

ويقول الرصافي:

جهلت كجهل الناس حكمة خالق ... كل الخلق طرًا بالتعاسة حاكم

وغاية جهدي أنني قد علمته ... حكيمًا، تعالى عن ركوب المظالم

فلو تعلق الجار والمجرور: "على الخلق" بالفعل: "جهل" لأدى هذا التعلق إلى فساد شنيع في المعنى؛ إذ يكون التركيب: جهلت على الخلق جميعًا أي: تكبرت عليهم، وأسأت إليهم، وهذا غير المراد، وكذلك لو تعلقا بالمصدر: "جهل" أو: "حكمة" ... ، أما لو تلعقا بالوصف المشتق: "حاكم" فإن المعنى يستقيم، ويتحقق به المراد، إذ يكون التركيب ... حاكم على الخلق طرا بالنعاسة ... ، ومثل هذا يقال في الجار والمجرور: "بالتعاسة".

ويقول الشاعر:

عداتك منك في وجل وخوف ... يريدون المعاقل والحصونا ...

فلو تعلق الجار ومجروره "منك" بكلمة: "عداة"١ لفسد المعنى، بخلاف


١ جمع: عاد، بمعنى ظالم، "فهو عامل مشتق".

<<  <  ج: ص:  >  >>