للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعلقهما بكلمة: "وجل" فإن المعنى معه يكون: غداتك في وجل منك ... وهو معنى مستقيم.

ومن الأمثلة السالفة يتبين أن متعلقهما قد يكون متأخرًا عنهما، أو متقدمًا عليهما؛ فليس من اللازم أن يتقدم عليها العامل الذي يتعلقان به، وقد اجتمع الأمران في قول الشاعر:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهمو ... لم يبن ملك على جهل وإقلال

وفي قول الآخر:

لئن لم أقم فيكم خطيبًا فإنني ... بسيفي إذا جد الوغى لخطيب ...

فالمراد: يبني الناس ملكهم بالعلم والمال ... لم يبن الناس ملكهم على جهل وإقلال لئن لم أقم فيكم خطيبًا، فإنني لخطيب بسيفي١ ...

فالواجب يقتضي في كل الأحوال أن نبحث لحرف الجر الأصلي٢ مع مجروره عن "العامل" المناسب لهما، ولا سيما إذا تعددت حروف الجر ومجروراتها، وتعددت معها الأفعال وأشباهها٣، وأن نميزه ونستخلصه من غير المناسب؛ ولا نتأثر في اختياره بقربه من الجار والمجرور، أو بعده عنهما، أو تقدمه عليهما أو تأخره، أو ذكره، أو حذفه٤، وإنما نتأثر بشيء واحد؛ هو


١ وكذلك في قول الشاعر:
الغني في يد اللئيم قبيح ... مثل قبح الكريم في الإملاق
وقول الآخر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي
٢ وشبهه، إلا الحرف الأصلي اللام، وكذا: "على" الذي للإضراب، فكلاهما يصح ألا يتعلق، "كما سبق في رقم٣ من هامش٤٣٦ ورقم١ من هامش ٣٣٩ طبقًا للبيان الآتي في رقم٨ من ص٥١٠".
٣ الكثير ألا يتعلق حرفان للجر بعامل واحد إذا كانا بمعنى واحد كالذي في مثل: مررت بالوالد بالأخ؛ حتى لقد منع بعض النحاة هذا التعليق: منعًا باتًا.
أما عند اختلاف معنى الحرفين فيجوز تعلقهما بعامل واحد؛ نحو: كتبت بالقلم بالصحيفة، والحق أن المنع القاطع المطلق مخالف لظاهر كلام الزمخشري في قوله تعالى: {كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} ، فإنه يفيد الجواز مع كون معنى الحرفين: "من" الأولى والثانية واحدًا؛ ذلك؛ لأن الحرف الثاني إنما يتعلق بالفعل بعد تقييده بالأول، والأول إنما تعلق به في حال الإطلاق.
"راجع شرح التصريح وحاشية ياسين ج٢ باب الحال عند الكلام على الحال مع صاحبها".
٤ وقد اجتمع الذكر والحذف في قولهم: "من أشار على أخيه بشيء يعلم أن الرشد في غيره، فقد خانه" أي: موجودة في غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>