للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشترط في عاملهما أن يكون ماضيًا، إما منفيًا يصح أن يتكرر معناه؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يوم الجمعة، وإما مثبتًا، معناه ممتد متطاول١؛ نحو: سرت مذ، أو منذ يوم الخميس.

فإن كان الاسم المجرور بهما معرفة ومدلول زمنه ماضيًا، كان معناهما الابتداء مثل: "من" الابتدائية، نحو: ما رأيته مذ، أو: منذ يوم الجمعة الماضي، أي: من يوم الجمعة؛ فابتداء عدم الرؤية هو يوم الجمعة، وإن كان معرفة ومدلول زمنه حاضرًا كان معناهما لا إعرابهما الظرفية، مثل "في" نحو: ما رأيته مذ ساعتنا، أو منذ يومنا، أي: في ساعتنا وفي يومنا.

أما إن كان المجرور بهما نكرة معدودة٢ فمعناهما الابتداء والانتهاء معًا؛ فهما مثل "من" و"إلى" مجتمعين؛ نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومين، أي: ما رأيته من ابتداء هذه المدة إلى نهايتها.

ومما يجب التنويه به أن الاسم بعد "مذ"، و"منذ" مع جواز جره على اعتبارهما حرفي جر، وجواز رفعه على اعتبارهما اسمين محضين قد يترجع فيه أحد الضبطين على الآخر، وقد يقوي حتى يقترب من الوجوب كما يتبين مما يأتي.

إذا كان الزمن بعدهما للحاضر فالراجح أن يكونا حرفي جر، والاسم بعدهما مجرورًا بهما، نحو: ما تركت الكتابة مذ أو منذ ساعتنا، وعلى هذا تجري أكثر القبائل العربية، وتكاد تلتزمه وتوجبه.

وإذا كان الزمن بعدهما للماضي، فالأرجح اعتبار "منذ" حرف جر، والاسم بعدها مجرور، نحو: ما زرت الصديق منذ يومين، والعكس في "مذ"، نحو ما زرت الصديق مذ يومان٣.


١ في ص٥٤٩ بيان "المتطاول" وما يتصل بهذا.
٢ لتكون معينة؛ لأن المبهمة أي: غير المعدودة، مثل: برهة، وحين ... لا تصلح بعدهما، كما سبق، ولا فرق في المعدود بين أن يكون معدودًا لفظًا ومعنى؛ نحو: يومين، أو معنى فقط: نحو: شهر.
٣ وفي الكلام على مذ ومنذ واسميتهما، وحرفيتهما وأحكامهما يقول ابن مالك:
و"مذ" و"منذ" اسمان حيث رفعا ... أو أوليا الفعل، كجنت مذ دعا
يريد: أنهما يكونان اسمين حين يرفعان اسمًا بعدهما؛ باعتبارهما مبتدأين، وهو الخبر المرفوع بالمبتدأ، =

<<  <  ج: ص:  >  >>