للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

زيادة وتفصيل:

لا شك أن المذهب الثاني١ نفيس كما سبق؛ فمن الأنسب الاكتفاء به؛ لأنه عملي سهل، بغير إساءة لغوية، وبعيد من الالتجاء إلى المجاز، والتأويل، ونحوهما من غير داع؛ فلا غرابة في أن يؤدي الحرف الواحد عدة معان مختلفة، وكلها حقيقي٢ كما قلنا، ولا غرابة أيضًا في اشتراك عدد من الحروف في تأدية معنى واحد؛ لأن هذا كثير في اللغة، ويسمى: المشترك اللفظي٣.


١ وهو الذي اشتهر بنسبته للكوفيين مع أن لهم فيه شركاء آخرين كما أسلفنا في رقم١ من هامش ص ٥٤٠.
٢ سواء أكانت الحقيقة لغوية أم عرفية كما سبق في رقم٢ من هامش ص ٥٤٠.
٣ الحق أنه لا سبيل للحكم على معنى من معاني المشترك اللفظي بأنه "مجازي"، أو أن في عامله "تضمينًا"؛ لأن هذا يقتضينا أن نعرف المعنى الأصلي الذي وضع له اللفظ أولًا، واستعمل فيه، ثم انتقل منه بعد ذلك إلى غيره من طريق "المجاز أو التضمين"، أي: أنه لا بد من معرفة أقدم المعنيين في الاستعمال؛ ليكون هذا الأقدم هو الأصلي، ويكون المتأخر عنه وهو الحادث مجازًا أو تضمينًا، وهذا أمر لم يتحقق حتى اليوم في أكثر المعاني التي يؤديها كل حرف من حروف الجر، وهي معان مرددة في أفصح الكلام العربي قرآنًا وغير قرآن، ولا سبيل للحكم القاطع بأن معنى معينًا منها أسبق في الاستعمال في معنى آخر، وإذا لا سبيل للحكم الوثيق بأن واحدًا من تلك المعاني هو وحده الحقيقي، وأن ما عداه هو "المجازي أو التضميني"، بل إن هذا يلاحظ في كل معنى مجازي آخر يجري في غير الحرف، ولا يقال: إن المعنى الحسي أسبق في الغالب وجودًا من العقل المحض؛ لا يقال هذا؛ لأنه لا يصدق على حالات متعددة، وفوق هذا أيضًا يكاد يكون الحك بالأسبقية مستحيلًا إذا كان المدلولان عقليين معًا "أي: غير حسيين".
وقد رأى أحد المستشرقين ضرورة وضع معجم خاص يوضح أقدمية الكلمات في استعمالها، وتاريخ ميلادها؛ ليمكن القطع بعد هذا بالمعاني الحقيقية والمجازية وتجرد لهذه المهمة، ولكن منيته عاجلته في أول مراحل العمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>