للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعكس كما في: {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} ، أي: يعترفون به مؤمنين، وبهذا يتوقع أن اللفظ المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الآخر، وإن كان في معنى الآخر فلا دلالة على المعنى الحقيقي، وإن كان فيهما لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.

لقد ذكرنا طائفة من أقوال العلماء في التضمين، وذكرنا القول بأنه سماعي، والقول بأنه قياسي، ورأيناه قوة في القول بأنه قياسي، ونقلنا فيما تقدم أن التضمين ركن من أركان البيان، فإن ذهبنا إلى القول بأنه قياسي، قلنا: إنما يستعمله العارف بدقائق العربية وأسرارها على نحو ما ورد، وإنك لتجد كثيرًا في عبارات المؤلفين فيها التضمين، فمن ذلك عبارة الملوي السابقة، ومن ذلك قول ابن مالك "وأستعين الله في ألفية"، فقد جوز الأشموني أنه ضمن أستعين معنى: أستخير، ونحوه مما يتعدى بفي.

ذكرنا القول بأن التضمين سماعي، ومعناه أن يحفظ ولا يقاس عليه، وذكرنا قول القائلين: إن التضمين النحوي قياسي عند الأكثرين، وأن التضمين البياني قياسي بإجماع النحويين، وقد ذكر ابن جني في الخصائص أنه لو نقل ما جمع من التضمين عن العرب لبلغ مئين أوراقًا.

والتضمين مبحث ذو شأن في اللغة العربية، وللعلماء في تخريجه طرق مختلفة فقال بعضهم: إنه حقيقة، قال بعضهم: إنه مجاز، وقال آخرون: إنه كناية، وقال بعضهم: إنه جمع بين الحقيقة والمجاز على طريقة الأصوليين؛ لأن العلاقة عندهم لا يشترط فيها أن تمنع من إرادة المعنى الأصلي ...

فإذا قررنا التضمين قياسي، فقد جرينا على قول له قوة، وإذا قلنا: إنه سماعي، فقد يعترض علينا من يقول: إن علماء اللغة من يرى أنه قياسي، فلماذا تضيقون على الناس، وما جئتم إلا لتسهلوا اللغة عليهم؟

فنحن نثبت القولين بالقياس وبالسماع، ولكنا نرجع قياسيته، والقول بجواز استعماله للعارفين بدقائق العربية وأسرارها، ولا يصح أن نحظره عليهم؛ لأنه داخل في الحقيقة، أو المجاز، أو: الكناية، والبلغاء يستعملونه في كلامهم بلا حرج،

<<  <  ج: ص:  >  >>