= ثم ما هذا الذوق العربي الذي يريده المجمع؟ وكيف يحدد؟ ولم يقتصر "التضمين" على الفعل دون ما يشبه، كما جاء في الشرط الأول الذي أقره المجمع وارتضاه؟ اللهم إلا إذا كان يريد الفعل وما يشبهه، كما يفهم من سياق البحث.
وبعد: فما زالت أدلة "التضمين" واهية، منهارة إن صح تسميتها أدلة"! ! ولم أجد في الآراء السالفة كلها، ولا في أمهات المراجع التي صادفتها ما يزيل الضعف، والرأي الأقوى في جانب الذين يمنعونه ممن عرضنا أسماءهم فيما سبق، أو لم نعرض: ومن هؤلاء الشهاب الخفاجي في "طراز المجالس" ص ٢١٩ حيث يصرح بأنه سماعي، وكالدماميني في كتابه: "نزول الغيث" ص ٥٦ حيث يقرر أن تضمين فعل معنى آخر يأباه كثير من النحاة، وكأبي حيان فيما نقله السيوطي في "الهمع" ج ١ ص ١٤٩ مصرحًا بقوله: "التضمين لا ينقاس" وغير هؤلاء كثير، بل إن الذين يقصرونه على السماع لم يستطيعوا إثبات أنه ليس بحقيقة، وليس بمجاز، ولا بشيء مركب منهما، وإنما هو نوع جديد اسمه: "التضمين" لم يستطيعوا ذلك؛ لأن العرب الفصحاء نطقوا بالفعل أو بما يشبهه متعديًا بنفسه مباشرة، أو غير متعد إلا بمعونة حرف جر معين؛ فكيف يسوغ لقائل بعد هذا أن يقول: إن هذا الفعل لم يتعد إلى معموله إلا من طريق التضمين، بحجة أن هذا الفعل لا يعرف فيه التعدي إلا بهذه الوسيلة!؟ كيف يقول هذا محتجًا به مع أن الناطق بالفعل المتعدي وشبهه هو القرآن الكريم، أو العبي الفصيح الذي يحتج بكلامه من غير خلاف في الاحتجاج؟
ما الدليل على أن الفعل وشبهه متعد أو غير متعد من طريق "التضمين" وحده، ونحن نراه متعديًا بواسطة حرف الجر، أو بغير واسطة، ولا دليل معنا على أسبقية أحد الفعلين في الوجود والتعدي وعدمه؟
والحق إن إثبات التضمين أمر لا تطمئن له نفس المتحري المتحرر، ولا سيما إذا عرفنا أن كل فعل، أو شبهه لا يكاد يؤدي معناه مع "التعدية" دون أن يكون هناك فعل آخر، أو شبهة له معنى يؤديه مع "اللزوم"، وبين هذين المعنيين ما يسمونه؛ "المناسبة، أو الإشراب"، والعكس صحيح كذلك إذ لا يكاد فعل أو: شبهه يؤدي معناه مع "اللزوم" دون أن يكون هناك فعل آخر أو شبهه له معنى يؤديه مع "التعدية"، وبين المعنيين "المناسبة أو الإشراب"، والنتيجة الحتمية لكل ذلك أنه لا يوجد فعل أو شبهه مقصور على "التعدية"، ولا آخر مقصور على "اللزوم"، وهذه غاية الفوضى والإساءة اللغوية التي تحمل في ثناياها فساد المعاني.
وبالرغم من تلك المعارك الجدلية لا أرى الأمر في التضمين يخرج عن إحدى حالتين، وفي غيرهما الفساد اللغوي، والاضطراب الهدام:
الأولى: أن الألفاظ التي وصفت بالتضمين إن كانت قديمة في استعمالها منذ عصور الاستشهاد، والاحتجاج اللغوي فإن استعمالها دليل على أصالة معناها الحقيقي، ما دمنا لم نعرف يقينًا لها معنى سابقًا تركته إلى المعنى الجديد.
الثانية: أن العصور المتأخرة عن عصور الاستشهاد، والاحتجاج غير محتاجة إلى "التضمين" لاستغنائها عنه بالمجاز والكناية، وغيرهما من أنواع البيان المختلفة التي تتسع لكثير من الأغراض والمعاني الدقيقة البليغة.