للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هناك داعيًا بلاغيًّا اقتضى هذه النسبة وتخصيص القمر بالقاهرة؛ هو: إفادة أنه يمنحها ما لا يمنح سواها، ويضفي عليها جمالًا قلَّ أن تفوز به مدينة أخرى، فكأنه خاص بها، مقصور عليها. ومثل هذا يقال في المثال الثاني وأشباهه١.


١ كقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} . فقد أضيف الضحا إلى: "ها" التي هي ضمير العشية، فالتقدير: كأنهم لم يلبثوا إلا عشية، أو ضحا العشية. ولا صلة هنا تربط المضاف بالمضاف إليه ربطًا معنويًا قويًا يحقق معنى الحرف إلا صلة واهية؛ هي: أن الضحا أول النهار والعشية آخره؛ فبينهما أزمنة أخرى، لكل زمان منها اسمه الخاص. ولكن البلاغة اقتضت إغفال هذه الأزمنة، وإجراء إضافة لأدنى ملابسة بين المضاف والمضاف إليه، وكقولهم: "نجم الأحمق"؛ وهو نجم كان إذا أشرق ورآه بعض الحمقى، هدأ واستراح، وخفت حدة حمقه. وكذلك ما جاء في "الكامل" للمبرد "ج١ ص٢٤٣"، ومن قول الشاعر:
أهابوا به؛ فازداد بعدًا، وصدَّه ... عن القرب منهم ضوء برق ووابله
فقد أضاف الشاعر كلمة: "وابل" إلى ضمير "البرق"؛ فكأنه أضافها إلى البرق نفسه؛ قائلًا "وابل البرق" مع أن "الوابل" ليس للبرق، قال المبرد: قد يضاف ما كان كذلك على السعة كقول الشاعر:
حتى أنخت قلوصى في دياركمو ... بخير من يحتذي نعلًا وحافيها
فأضاف "الحافي" إلى "النعل" وهو يريد: حاف منها.

<<  <  ج: ص:  >  >>