للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكلمة: "رجل" تدل على أفراد لا حصر لها؛ منها رجل مروءة، رجل علم، رجل حرب ... إلى غير هذا من رجال لا عدد لهم، فإذا قلنا: "رجل مروءة" انحصر الأمر في نوع معين من أفراد الرجل، ولم يبق مجال لدخول أفراد أخرى؛ كرجل علم، أو حرب، أو زراعة، أو ... وكذا كلمة: "كعبة" و "غاية" وأشباهها؛ فكل كلمة من هذه الكلمات قد اكتسبت نوعًا من "التخصيص" أفادها بعض التجديد الذي خفف من درجة إبهامها وشيوعها، وإن كانت لم تستفد التعريف الكامل، ولم تبلغ في التعيين درجة المعرفة الأصلية ...

واستفادة المضاف من المضاف إليه التعريف١ أو التخصيص على الوجه المشروح هي الأثر المعنوي الثاني الذي ينضم إلى الأثر المعنوي الناشئ من الحكم الخامس٢، فيحدث من انضمامها معًا إدراك السبب الحقيقي في تسمية هذا النوع من الإضافة المحضة: "بالإضافة المعنوية" كما أشرنا من قبل٣.

وهناك ألفاظ مسموعة ملازمة للتنكير في الأغلب؛ لا تفيدها الإضافة المحضة تعريفًا، ولا تخصيصًا في أكثر الاستعمالات؛ ولذا تسمى: "بالألفاظ المتوغلة٤ في الإبهام"؛ ومنها: غير، حسب، مثل،


١ سبق شرح النكرة والمعرفة في ج١ ص١٤٤ م١٧ ومن ذلك الشرح السابق نعلم أن المعارف مختلفة في درجة التعريف وقوتها، متفاوتة من هذه الناحية، وأن المضاف إلى معرفة هو درجة المضاف إليه، إلا المضاف للضمير؛ فإنه في درجة العلم على الصحيح.
٢ انظر ص١٦.
٣ في رقم ١ من هامش ص٣ وفي رقم ٥ من هامش ١٦.
٤ سبقت الإشارة للألفاظ المتوغلة في الإبهام "أي: المتعمقة المتغلغلة في داخله" في رقم ٣ من هامش ص١٩٠ من الجزء الأول "م١٧" ثم الجزء الثاني في بابي: "الظرف والاستثناء م٧٩ و٨٢ ص٢٨٠ و٣٢١". وقلنا في باب الظرف، ص٢٣٨ م٧٩ ما ملخصه: "إن اللفظ المتوغل في الإبهام هو: الذي لا يتضح معناه إلا بما يضاف إليه، وأنه في أكثر أحواله لا يستفيد من المضاف إليه تعريفًا، إلا بأمر خارج عن الإضافة؛ كوقوع كلمة: "غير" بين ضدين معرفتين "كما نص على هذا "العكبري" في أول كتابه: "إملاء ما منَّ به الرحمن ... -أول سورة الفاتحة- ج١ ص٥" في مثل: رأيت العلم غير الجهل، وعرفت العالم غير الجاهل، وقوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} فوقوع كلمة "غير" بين ضدين معرفتين أزال إبهامها؛ لأن جهة المغايرة تتعين بخلاف خلوها من ذلك في مثل: أبصرت رجلًا غيرك. فكل رجل سواك هو غيرك؛ فلا تعيين ولا تخصيص ...
وبهذه المناسبة نعرض لكلمة "غير" من ناحية دخول "أن" عليها أو عدم دخولها فننقل ما جاء في المصباح المنير، في مادة "غير" ونصه: "تكون وصفًا للنكرة، تقول: جاءني رجل غيرك. وقوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} إنما وصف بها المعرفة؛ لأنها أشبهت المعرفة بإضافتها إلى المعرفة

<<  <  ج: ص:  >  >>