للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

د- إذا كان أفعل التفضيل المجرد١ واجب الأفراد والتذكير فما بال العرب تقول: مر بنا سرب من الظباء، بعده أسراب أخر؛ فيأتون بكلمة: "أخر" مجموعة ومؤنثة؛ "إذ هي جمع، مفرده: "أخرى"، "وأخرى" مؤنث لكلمة "آخر" الذي أصله "أأخر" على وزن: "أفعل" المذكر الدال على التفضيل؛ فهو من القسم المجرد". فلم كانت "أخر" مجموعة ومؤنثة في المثال السالف –وأشباهه– مع أن القاعدة تقتضي الإفراد والتذكير، وأن يقال: أسراب "آخر" "التي أصلها: "أأخر" كما أسلفنا"٢.

أجاب النحاة: إن كلمة: "أخر" ليست مما نحن فيه؛ لأسباب ثلاثة مجتمعة:

أولها: أنها في استعمالاتها الصحيحة المختلفة –ومنها المثال السالف وأشباهه– لا تدل على التفضيل؛ "أي: لا تدل على المشاركة والزيادة" وإنما تدل على المغايرة المحضة، والمخالفة المجردة من كل معنى زائد عليها. فالكلام الذي تكون فيه يقتضي معنى المغايرة وحدها، لا معنى المفاضلة، أو نحوها. وهذا شأنها في الاستعمالات الواردة، فمعنى سرب آخر وأسراب أخر هو: سرب مغاير، وأسراب مغايرات، بدون تفضيل فيهما.

وثانيهما: أنها –في كلام العرب– لا يقع بعدها: "من" الجارة للمفضول، لا لفظًا ولا تقديرًا.

وثالثها: أنها –في كلامهم الفصيح تطابق وهي نكرة٣.


١ سبق الكلام عليه، في ص٤٠١.
٢ أي: أن الأصل أن يقال مثلًا: هذا ظبي آخر "وأصلها: أأخر" وهذه ظبية آخر "أأخر" لكنهم تركوا الأصل، وقالوا: ظبية أخرى؛ فأتوا بكلمة: "أخرى" التي هي المفردة المؤنثة لكلمة: آخر.
والأصل أيضًا أن يقال: هذان ظبيان آخر "وأصلها: أأخر، وهاتان ظبيتان آخر" ولكنهم تركوا الأصل وقالوا: آخران، في تثنية المذكر، وأخريان في تثنية المؤنث.
وكذلك الأصل أن يقال: هؤلاء ظباء آخر "أأخر" وهؤلاء ظبيات آخر "أأخر".
لكنهم تركوا الأصل أيضًا، وقالوا: أخر، التي هي جمع مؤنث، مفرده: أخرى.
٣ أي: أنها لو كانت التفضيل وهي نكرة، لوجب عدم مطابقتها؛ كي تساير المسموع الكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>