للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم قد يكون التفرقة بينهما سائغة في بعض صور، ولكن من ناحية أهرى دقيقة غير تلك التي تصدى لها المانعون؛ هي أن لعطف البيان غرضًا معنويًا هامًا؛ هو: إيضاح الذات نفسها، أو تخصيصها على الوجه الذي شرحناه١ أما بدل الكل فله غرض آخر يختلف عن هذا تمامًا؛ هو الدلالة على ذات المتبوع بلفظ آخر يساويه في المعنى؛ بحيث يقع اللفظان على ذات واحدة، وفرد معين واحد في حقيقته –كما سيجيء في بابه– ولا يضر أن يختلفا في المفهوم بعض الاختلاف اليسير ما دامت حقيقة الذات المقصودة واحدة؛ كالاختلاف الذي في نحو عرفت سعيدًا أخاك٢، ولا شأن لبدل الكل بالإيضاح والتخصيص، فحيث اقتضى المقام إيضاح حقيقة الذات أو تخصيصها –والإيضاح والتخصيص هنا ذاتيان، "أي: يقعان وينصبان على الذات"– فاللفظ عطف بيان ليس غير، بشرط أن تجتمع فيه بقية الشروط الواجبة في عطف البيان، ومنها: مطابقته للمتبوع في الأمور الأربعة السالفة؛ ولهذا كانت كلمة: "سيد" الثانية عطف بيان في قول الشاعر:

إذا سيد منَّا مَضى لسبِيلِه ... أقام عمودَ الدين آخَرُ سيدُ

وحيث اقتضى المقام الدلالة على ذات المتبوع نفسها بلفظ آخر يساويه تمامًا في المدلول فاللفظ "بدل كل من كل"، وبخاصة إذا فقد اللفظ شرطًا من شروط عطف البيان.

هذه هي ناحية التفرقة الحقة التي يجب الاقتصار عليها؛ نزولًا على أحكام اللغة، وتقديرًا لخصائصها، وكشفًا لأسرارها، بل إن هذه التفرقة نفسها قد يمكن رفضها٣.


١ في ص٥٤٢ وفي رقم ٢ من هامش ص٥٤٤. وانظر البيان كاملًا في ص٦٧٩.
٢ فلذات "الأخ" هي ذات "سعيد"، ولكن هذا المعنى الزائد غير مقصود مطلقًا في عطف البيان، إذ لو قصد لصارت الكلمة نعتًا مؤولًا بالمشتق. والفرق كبير في المعنى والحكم بين النعت وعطف البيان.
٣ وهي تفرقة دقيقة لا تكاد تدرك، وغير مقصودة كما أوضحنا في هامش الصفحة السالفة ومن الممكن الاكتفاء بجعل عطف البيان وبدل الكل قسمًا واحدًا. ويكتفي أن علمًا محققًا كالرضي يقول ما نصه: "أنا إلى الآن لم يظهر لي فرق جلي بين الكل من الكل وعطف البيان، بل ما أرى عطف البيان إلا البدل؛ كما هو ظاهر كلام سيبويه.... و..".
"راجع الصبان آخر باب عطف البيان".

<<  <  ج: ص:  >  >>