للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما زرعت القمح بل القطن ما أسأت مظلوما بل ظالما" "لا يتصدر مجلسنا جاهل بل عالم لا تصاحب الأحمق بل العاقل" لم يكن معنى "بل " الإضراب، وإنما المعنى أمران معًا.

أولهما: إقرار الحكم السابق، وتركه على حاله من غير تغيير فيه.

ثانيهما: إثبات ضدّه لما بعد "بل".

ففي المثال الأول: حكم منفيّ، قبل كلمة "بل" هو نفي زراعتي القمح، وأقررنا هذا الحكم المنفيّ، وتركناه على حاله، وفي الوقت نفسه أثبتنا بعدها حكما آخر، هو، زرع القطن ... ، وأيضا نفينا قبلها حكما؛ هو وقوع الإساءة على المظلوم، وأثبتنا بعدها وقوعها على الظالم. وكذلك نهينا قبلها عن تصدر الجاهل لمجلسنا، وأمرنا بعدها بهذا التصدر للعالم. ونهينا عن مصاحبة الأحمق، وامرنا بها للعاقل، وهكذا ...

فالحكم الأول في كل الأمثلة السالفة –ونظائرها- باق على حاله، لم يقع عليه إضراب، أو تغيير، والحكم بعد "بل" مضاد لما قبلها، فالحكمان متضادان؛ ما ينفى أو ينقى عنه قبل "بل" يثبت أو يؤمر به بعدها"١" ...


١ في حكم "بل" يقول ابن مالك:
و"بل" ك "لكن بعد مصحوبيها ... كلم أكن في مربع، بل تيها
"المراد بالمصحوبين: النفي والنهي، هو المربع: المكان الذي ينزل فيه القوم زمن الربيع. والتيها: هي التيهاء؛ "أي: الصحراء" يقول: ‘ن "بل" بعد النفي مثل "لكن" في أنها تقرر ما قبلها، وتتركه على حاله، وتثبت ضده لما بعده، فلا تفيد معهما إضرابا. لكنها بعد الكلام الموجب وبعد صيغة الأمر تفيد الإضراب عن الأول، وتنقل حكمه إلى الثاني، حتى يصير الأول مسكوتا عنه مهملا. وفي حالتي الإيجاب والأمر يقول ابن مالك متمما كلامه السالف عن "بل":
وانقل بها للثان حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
أي: الصريح في دلالته على الأمر؛ كفعل الأمر، والمضارع المسبوق بلام الأمر. وهذا عند ابن مالك ومن وافقه. وهناك من يلحق التمني، والترجي، والعرض، والتحضيض ... بالصريح كما قلنا في رقم ٢ من هامش ص٦٢٥ وقد سبق الكلام على "لكن" في ص٦١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>